×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 وَهَكَذَا دَلَّتِ الأَْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «إذَا أَتَى النَّاسُ آدَمَ وَأُولِي الْعَزْمِ نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليهم الصلاة والسلام، فَيَرُدَّهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى الَّذِي بَعْدَهُ، إلَى أَنْ يَأْتُوا الْمَسِيحَ فَيَقُولُ لَهُمُ: اذْهَبُوا إلَى مُحَمَّدٍ؛ عَبْدٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ». قَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَيَأْتُونِي فَأَذْهَبُ إلَى رَبِّي، فَإِذَا أنا رَأَيْتُهُ خَرَرْتُ سَاجِدًا، وَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ يَفْتَحُهَا عَلَيَّ، لاَ أُحْسِنُهَا الآْنَ، فَيُقَالُ لِي: أَيْ مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَك وَقُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» قَالَ: «فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ» ([1])، وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ.

فَبَيَّنَ الْمَسِيحُ أَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ؛ لأَِنَّهُ عَبْدٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَبَيَّنَ مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ - أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَأَوْجَهُ الشُّفَعَاءِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ تعالى - أَنَّهُ يَأْتِي فَيَسْجُدُ وَيَحْمَدُ، لاَ يَبْدَأُ بِالشَّفَاعَةِ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ، فَيُقَالَ لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَك، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَذَكَرَ أَنَّ رَبَّهُ يَحُدُّ لَهُ حَدًّا فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ. وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الأَْمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، هُوَ الَّذِي يُكْرِمُ الشَّفِيعَ بِالإِْذْنِ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ، وَالشَّفِيعُ لاَ يَشْفَعُ إلاَّ فِيمَنْ يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ يَحُدُّ لِلشَّفِيعِ حَدًّا فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ؛ فَالأَْمْرُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ.

وَأَوْجَهُ الشُّفَعَاءِ وَأَفْضَلُهُمْ هُوَ عِنْدَهُ الَّذِي فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ لِكَمَالِ عُبُودِيَّتِهِ وَطَاعَتِهِ وَإِنَابَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِرَبِّهِ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4476)، ومسلم رقم (193).