×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 فَإِنَّ الآْثَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِهِمْ وَعَادَتِهِمْ، وَلَوْ كَانَ اسْتِقْبَالُ الْحُجْرَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ مَشْرُوعًا لَكَانُوا هُمْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ، وَكَانُوا أَسْبَقَ إلَيْهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ.

وَالدَّاعِي يَدْعُو اللَّهَ وَحْدَهُ. وَقَدْ نُهِيَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْحُجْرَةِ عِنْدَ دُعَائِهِ لِلَّهِ تعالى، كَمَا نُهِيَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْحُجْرَةِ عِنْدَ الصَّلاَةِ لِلَّهِ تعالى.

****

الشرح

قوله: «فَإِنَّ الآْثَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِهِمْ وَعَادَتِهِمْ»؛ لأنهم تلقوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة رضي الله عنهم الذين هم أغزر علمًا وأثبت قدمًا وأعظم سابقة في الإسلام، فهم القدوة، ولهذا قال جل وعلا لما ذكر المهاجرين والأنصار: ﴿وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ [الحشر: 10] فلا مناص لنا من الاقتداء بالسلف الصالح، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

قوله: «وَالدَّاعِي يَدْعُو اللَّهَ وَحْدَهُ. وَقَدْ نُهِيَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْحُجْرَةِ عِنْدَ دُعَائِهِ لِلَّهِ تعالى، كَمَا نُهِيَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْحُجْرَةِ عِنْدَ الصَّلاَةِ لِلَّهِ تعالى»، كما أنه لا يجوز الصلاة مستقبلاً الحجرة النبوية، فلا يجوز الدعاء مستقبلاً الحجرة؛ لأن الدعاء مثل الصلاة، بل الصلاة كلها أدعية، ولهذا لما أقاموا الجدران على الحجرة جعلوها مسنمة من جهة الاستقبال، فلا تستقبل جدارًا عريضًا ممتدًّا من الشرق إلى الغرب، وإنما تستقبل القبلة، لا يحول بينك وبينها جدار، إلا قضية السنام هذا، وهو يسير ويستقبل، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله:

فأجاب رب العالمين دعاءه
 

وأحاطه بثلاثة الجدران
  

حتى غدت أرجاؤه بدعائه
 

في عزةٍ وحماية وصِيان
  

ثلاثة جدران مسنمة من جهة الشمال الذي هو محل الاستقبال.


الشرح