×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 فَلِهَذَا لَمْ يَكُونُوا يَتَوَسَّلُونَ بِذَاتِهِ مُجَرَّدَةً عَنْ هَذَا وَهَذَا. فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ دَعَوْا بِمِثْلِ هَذِهِ الأَْدْعِيَةِ؛ وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَّا وَأَعْلَمُ بِمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَعْلَمُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنَ الأَْدْعِيَةِ وَمَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الإِْجَابَةِ مِنَّا، بَلْ تَوَسَّلُوا بِالْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، دَلَّ عُدُولُهُمْ عَنِ التَّوَسُّلِ بِالأَْفْضَلِ إلَى التَّوَسُّلِ بِالْمَفْضُولِ أَنَّ التَّوَسُّلَ الْمَشْرُوعَ بِالأَْفْضَلِ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا.

وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ([1]). رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ.

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لاَ تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ؛ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي» ([2]).

****

الشرح

قوله: «دَلَّ عُدُولُهُمْ عَنِ التَّوَسُّلِ بِالأَْفْضَلِ إلَى التَّوَسُّلِ بِالْمَفْضُولِ أَنَّ التَّوَسُّلَ الْمَشْرُوعَ بِالأَْفْضَلِ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا». التوسل بالأفضل إذا كان ميتًا هذا غير ممكن، فيعدل إلى التوسل بالمفضول، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من العباس رضي الله عنه، وأفضل من سائر الأولياء الصالحين، ومع هذا لم يذهبوا إلى قبره ويطلبوا منه الشفاعة والدعاء بعد موته صلى الله عليه وسلم، وإنما طلبوا من الأحياء، وهذا دليل على الفرق في هذه المسألة التي يغالط فيها بعض الجهال أو الضلال، فلا يطلب الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته كما يطلب منه في حياته، بل يفعل كما فعل


الشرح

([1])  أخرجه: مالك في الموطأ رقم (414).

([2])  أخرجه: أبو داود رقم (2042)، وأحمد رقم (8804).