×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ؛ مِثْلُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ «مُجَابِي الدُّعَاءِ» قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ، سَمِعْتُ كَثِيرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ رِفَاعَةَ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبْجَرَ فَجَسَّ بَطْنَهُ فَقَالَ: بِكَ دَاءٌ لاَ يَبْرَأُ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: الدُّبَيْلَةُ، قَالَ: فَتَحَوَّلَ الرَّجُلُ فَقَالَ: اللَّهَ اللَّهَ اللَّهَ رَبِّي لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، اللَّهُمَّ إنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا، يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إلَى رَبِّك وَرَبِّي يَرْحَمُنِي مِمَّا بِي. قَالَ: فَجَسَّ بَطْنَهُ فَقَالَ: قَدْ بَرِئْت مَا بِكَ عِلَّةٌ ([1]).

قُلْتُ: فَهَذَا الدُّعَاءُ وَنَحْوُهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ دَعَا بِهِ السَّلَفُ وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مَنْسَكِ المَرُّوذِيِّ التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّعَاءِ، وَنَهَى عَنْهُ آخَرُونَ. فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُ الْمُتَوَسِّلِينَ التَّوَسُّلَ بِالإِْيمَانِ بِهِ وَبِمَحَبَّتِهِ وَبِمُوَالاَتِهِ وَبِطَاعَتِهِ، فَلاَ نِزَاعَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُمْ التَّوَسُّلَ بِذَاتِهِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَمَا تَنَازَعُوا فِيهِ يُرَدُّ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَلَيْسَ مُجَرَّدُ كَوْنِ الدُّعَاءِ حَصَلَ بِهِ الْمَقْصُودُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَائِغٌ فِي الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْمَخْلُوقِينَ وَيَحْصُلُ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَرَضِهِ.

وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْصِدُ الدُّعَاءَ عِنْدَ الأَْوْثَانِ وَالْكَنَائِسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَدْعُو التَّمَاثِيلَ الَّتِي فِي الْكَنَائِسِ وَيَحْصُلُ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَرَضِهِ.

وَبَعْضُ النَّاسِ يَدْعُو بِأَدْعِيَةِ مُحَرَّمَةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَحْصُلُ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَرَضِهِ.


الشرح

([1])  مجابو الدعوة لابن أبي الدنيا (ص:85).