×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

وَتَعْرِيفُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ وَعَمْرِو بْنِ حريث بِالْكُوفَةِ، فإنَّ هَذَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَفْعَلُهُ سَائِرُ الصَّحَابةِ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم شَرَعَهُ لأُِمَّتِهِ لَمْ يمكن أَنْ يُقَالَ: هَذَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا مِمَّا سَاغَ فِيهِ اجْتِهَادُ الصَّحَابَةِ، أَوْ مِمَّا لاَ يُنْكَرُ عَلَى فَاعِلِهِ؛ لأَِنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ، لاَ لأَِنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأُِمَّتِهِ.

أَوْ يُقَالُ فِي التَّعْرِيفِ: إنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ أَحْيَانًا لِعَارِضٍ إِذَا لَمْ يُجْعَلْ سُنَّةً رَاتِبَةً.

وَهَكَذَا يَقُولُ أَئِمَّةُ الْعِلْمِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ: تَارَةً يَكْرَهُونَهُ، وَتَارَةً يُسَوِّغُونَ فِيهِ الاِجْتِهَادَ، وَتَارَةً يُرَخِّصُونَ فِيهِ إذَا لَمْ يُتَّخَذْ سُنَّةً، وَلاَ يَقُولُ عَالِمٌ بِالسُّنَّةِ: إنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ مَشْرُوعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُقَالُ فِيمَا شَرَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ إِذْ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسُنَّ وَلاَ أَنْ يَشْرَعَ؛ وَمَا سَنَّهُ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ فَإِنَّمَا سَنُّوهُ بِأَمْرِهِ فَهُوَ مِنْ سُنَنِهِ، وَلاَ يَكُونُ فِي الدِّينِ وَاجِبًا إلاَّ مَا أَوْجَبَهُ، وَلاَ حَرَامًا إلاَّ مَا حَرَّمَهُ، وَلاَ مُسْتَحَبًّا إلاَّ مَا اسْتَحَبَّهُ، وَلاَ مَكْرُوهًا إلاَّ مَا كَرِهَهُ، وَلاَ مُبَاحًا إلاَّ مَا أَبَاحَهُ.

وَهَكَذَا فِي الإِْبَاحَاتِ كَمَا اسْتَبَاحَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْلَ الْبَرْدِ وَهُوَ صَائِمٌ ([1])، وَاسْتَبَاحَ حُذَيْفَةُ السَّحُورَ بَعْدَ ظُهُورِ الضَّوْءِ الْمُنْتَشِرِ حَتَّى قِيلَ هُوَ النَّهَارُ إلاَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ ([2])، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ، َوَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

****

الشرح

قوله: «وَأَمَّا مَا فَعَلَهُ بِحُكْمِ الاِتِّفَاقِ». هذا القسم الثاني الذي يتعلق به الخرافيون.


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (13970)، والبزار رقم (7427).

([2])  أخرجه: أحمد رقم (23361).