×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 كَمَا قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، فَالْحَدِيثَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَهُوَ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ رَجُلاً أَنْ يَتَوَسَّلَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ، كَمَا ذَكَرَ عُمَرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ إذَا أَجْدَبُوا، ثُمَّ إنَّهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ إنَّمَا كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِغَيْرِهِ بَدَلاً عَنْهُ. فَلَوْ كَانَ التَّوَسُّلُ بِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا سَوَاءً، وَالْمُتَوَسِّلُ بِهِ الَّذِي دَعَا لَهُ الرَّسُولُ كَمَنْ لَمْ يَدْعُ لَهُ الرَّسُولُ، لَمْ يَعْدِلُوا عَنِ التَّوَسُّلِ بِهِ - وَهُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى رَبِّهِ، وَأَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ وَسِيلَةً - إلَى أَنْ يَتَوَسَّلُوا بِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُ.

****

الشرح

قوله: «كَمَا قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، فَالْحَدِيثَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ»، كما أنَّ عُمر رضي الله عنه ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم لما أجدبوا استسقوا؛ عملاً بسُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم عند انحباس المطر، فأمر العباس رضي الله عنه فقال: «اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْك بِنَبِيِّنَا» أي: في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كنا نتوسل بدعائه، والآن نتوسل إليك بدعاء عمِّ نبيك فاسقنا، قمْ يا عباس فادع. فلو كان التوسل بذاته مشروعًا لتوسل الصحابة رضي الله عنهم بذاته بعد موته، ولم يعدلوا عن التوسل بذاته إلى دعاء المفضول - وهو العباس رضي الله عنه - وهم قد فعلوا ذلك؛ لأنهم علموا أن التوسل بالذات لا يجوز، لا في الحياة، ولا في الموت، إنما التوسل يكون بالدعاء.

قوله: «لَمْ يَعْدِلُوا عَنِ التَّوَسُّلِ بِهِ -وَهُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى رَبِّهِ- »، عدولهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته واضح في أنه لا يجوز التوسل بالميت، وإنما يتوسل بدعاء الحي الذي يقدر على الدعاء، فهذا الأمر واضح لا يحتاج إلى كثير جدال لمن يريد الحق؛


الشرح