×
الاختصار في التعليق على منتقى الأخبار الجزء الثاني

من جملة ذلك أنَّه قال له: «فَإِذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ» لأنَّ الصَّلاة لا تصح إلاَّ بوضوء، ومن شروط صحة الصَّلاة: الطَّهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، ولا يكفي أن يستعمل الإنسان الماء ولا يدري، هل بلغ الأعضاء واستكملها أم لا؟ بل لا بدَّ أن يسبغ، والإسباغ منه الإتمام، يقال: ثوب سابغ ودرع سابغ، يعني: ضافي على الجسم، وكذلك الوضوء يجب أن يكون ضافيًا على العضو لا يبقى منه شيء لم يصل إليه الماء، هذا معنى إسباغ الوضوء.

قوله: «ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ»: وهذا شرط من شروط صحة الصلاة لقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ[البقرة: 144].

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه أوَّل ما فرضت عليهم الصَّلاة في مكة كانوا يصلون إلى بيت المقدس، القبلة الأولى؛ لكنه في مكة يجعل الكعبة بينه وبين الشَّام، فيصلي، ثُمَّ لما هاجر إلى المدينة استمر على استقبال بيت المقدس، وكان يحب أن يستقبل الكعبة؛ لأنَّها قبلة إبراهيم، وبيت المقدس قبلة الأنبياء من بعد إبراهيم عليهم الصَّلاة والسَّلام.

والله بعث محمَّدًا صلى الله عليه وسلم بملة إبراهيم، فكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل الكعبة؛ ولكن لا يفعل شيئًا لم يؤمر به، لا يفعل عليه الصلاة والسلام شيئًا إلاَّ بأمر الله، وإن كان يحب هذا الشيء، فهو استمر على ما كان عليه الحال، مع محبته أن يحوِّل الله القبلة إلى الكعبة، فحقَّق الله رغبته، فأمره باستقبال الكعبة، قال جل وعلا: ﴿قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ


الشرح