ثُمَّ مِنَ
المُحالِ أَيْضًا أنْ تَكُونَ القُرونُ الفاضِلَةُ -القَرْنُ الَّذِي بُعِثَ فيهم
رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِين
يَلُونَهُم- كَانُوا غَيْرَ عالِمِينَ وغيْرَ قائِلينَ فِي هذا البابِ بالحَقِّ
المُبينِ.
فَكيْفَ يُتَصَوَّرُ معَ قِيامِ هذا المُقْتَضَى -الَّذِي هو مِنْ
أَقْوَى المُقْتَضَياتِ- أَنْ يَتخَلَّفَ عَنهُ مُقتَضاهُ فِي أُولئِكَ السَّادةِ
فِي مَجمُوعِ عُصُورِهم؟ هذا لا يَكادُ يَقعُ مِن أَبْلَدِ الخَلْقِ، وَأَشدِّهِمْ
إِعْراضًا عَنِ اللهِ وأَعْظَمِهِم إكبابًا عَلَى طلَبِ الدُّنيا، والغَفْلَةِ عَن
ذِكْرِ اللهِ، فكيفَ يَقعُ مِن أولئكَ؟!
****
أيْ: مِن المُحالِ أنْ تكونَ القُرونُ
الَّتِي جاءتْ بعدَ الصَّحابةِ، وتَلقَّتِ العِلمَ عنهم، أن تكونَ أَغفَلَت هذا
البابَ، ولم تَنقُلُه، وهُم قرنُ التَّابِعينَ وأتباعُ التَّابِعينَ الَّذِين
أَثْنَى عليهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي،
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ([1])، فخيرُ
القُرونِ ثلاثةٌ أو أربعةٌ عَلَى بَعضِ الرِّواياتِ. مُحالٌ أنْ تكونَ هذه القرونُ
المُفضَّلَةُ لم تَنقُلْ هذا عَن الصَّحابةِ، وتَركَتْهُ مُهملاً، وأنَّها تقرأُ
القُرآنَ، وتَروِي الأحاديثَ، ولا تَعرِفُ معناها«كما تقولُه الجهمِيَّةُ
وأضرابُها»، يَنقُلُونَ لنا الألفاظَ فَقط، هذا اتِّهامٌ لهم بأقْبحِ الجهلِ،
وهم خيرُ القُرونِ وأفضلُها. فَتعرَّفْ رَبَّكَ بآياتِه وَبِصِفاتِه سبحانه وتعالى.
المُقتضَى هو طلَبُ مَعرفَةِ الحَقِّ؛ لأنَّ الجهلَ باللهِ عز وجل والإعراضَ عنهُ إِنَّما يقعُ مِنَ المُغفَّلِينَ وأصحابِ الشَّهواتِ، وأربابِ الدُّنْيا وطُلاَّبِ الدُّنْيا، أما طُلاَّبُ العِلْمِ الصَّحِيح والمَعرفَةِ الحَقَّةِ، فإنَّ
الصفحة 1 / 226
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد