وإنْ كانَ
فِي النُّصُوصِ مِنَ التَّفصِيل مَا يعجز العقْل عنْ دَرْك تَفصِيلِه، وإنَّما عقْلُه
مجملاً إِلىَ غَيْر ذَلِك مِنَ الوُجوهِ، علَى أنَّ الأساطِينَ مِنْ هَؤلاَءِ
والفُحُول معتَرِفُون بأنَّ العقْل لاَ سبيلَ لَهُ إِلىَ اليَقِينِ فِي عامَّة
المَطَالِب الإلَهِيَّة.
وإذَا كانَ هكذَا فالوَاجب تلَقِّي علْم ذَلِك مِنَ النُّبوَّات علَى
مَا هُوَ علَيْه.
ومِنَ المَعلُوم للمُؤْمِنِينَ أنَّ اللهَ بعثَ محَمَّدًا صلى الله
عليه وسلم بالهُدَى ودِينِ الحَقِّ،
****
زعمُوا أنَّ نُصُوصَ الصِّفَات تخَالِف العقْل، فلذَلِك أوَّلُوهَا.
العقْل يُوَافِق النُّصُوصَ فِي الجمْلَة، أيْ: فِي حُدُودِ مَا يدْرِكه،
وهُنَاك أشْيَاء لاَ يدْرِكها العقْل، مِثْل مَا فِي الجنَّة مِنَ النَّعيمِ، لاَ
يدْرِكها العقْل أبدًا، ومِثْل مَا فِي النَّار، هَذِهِ أمُور غَيْبيَّة لاَ
يُدْرِكها العقْل.
«الأَساطِينُ» يَعنِي: الأكابر مِنْ هَؤلاَءِ الفَلاَسفَة وعلَمَاء
الكلاَم يُسلِّمُون أنَّ هُنَاك أشْيَاء لاَ يُدرِكها العقْل، ولاَ يُحِيطُ بهَا،
وَهَذَا حُجة علَيْهِم.
إذَا كانَ العقْل يعجز عنْ مدَارِك النُّصُوصِ علَى سبيلِ التَّفصِيلِ،
فإنَّه لاَ يَرْجع إلَيْه، وإنَّمَا يرْجع فِي هَذَا إِلىَ مَا جاءَت بهِ
النُّبوَّاتُ، ويسلِّم لَهَا، ولاَ ندْخُل فِي متَاهَاتٍ لاَ نُحْسنُ الخُرُوج
مِنْها. هَذَا هُوَ طَرِيقُ السلاَمَة.
كمَا قَالَ تَعالَى: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ﴾ [التوبة: 33] والهُدَى هُو: العلْم النَّافِع، ودِينُ الحَقِّ هُو: العمَلُ الصَّالِحُ.
الصفحة 2 / 226
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد