ولمَّا كانَ وَقْتُه وَقْتَ فِتنةٍ من جميعِ النَّواحي: من ناحِيةِ تَسلُّطِ علماءِ الكلامِ والفَلسفةِ على عقائِدِ المُسلمين وإرادَتِهم أنْ تَحِلَّ عقيدةُ علماءِ المَنطقِ وعلمُ الكلامِ محلَّ عقيدةِ التَّوحيدِ، وكذلك في وَقْتِه كانت القُبوريَّةُ أيضًا مُسيطرةً على عُقولِ كثيرٍ منَ النَّاسِ، وهم عُبَّادُ القُبورِ، وعُبَّادُ الأولياءِ والصَّالحينَ والأضْرحةِ، وفي وَقْتِه كانتِ الصُّوفيَّةُ الضَّالَّةُ في أقوى عُصُورِها، وفي عَصرِه كانتِ الشَّيعةُ باختِلافِ طوائِفِها من باطِنيَّةٍ وغيرِها قد ظهَرَ شَرُّها، وأنواعٌ منَ الفِتنِ في العقيدةِ والعبادةِ والبِدعِ والمُحدثاتِ والشِّركيَّاتِ، فقامَ رحمه الله بمُقاومةِ هذه الطَّوائفِ كلِّها، ومُنازَلَتِها، والرَّدِّ عليها بدُروسِه وكتاباتِه وإجاباتِه وفتاوَاه ومُؤلفاتِه، ونصَرَه اللهُ عليها، ولكنْ وَشَوْا به إلى السَّلاطينَ وإلى الوُلاةِ، فعُقِدَتْ له مُحاكماتٌ عديدةٌ حضَرَها العُلماءُ والأمراء، وظهَرَ عليهم بالحُجَّةِ والبُرهانِ، عند ذلك لم يَجِدوا سِلاحًا إلاَّ السجن لمّا أعياهمُ الرَّدُّ عليه بالحُجَّةِ، فطَلبوا منَ السَّلاطين سَجْنَه، فسُجِنَ في الشَّامِ، ثمَّ أُطْلِقَ، ثمَّ سُجِنَ، ثمَّ طُلِبَ إلى مصر، وسُجِنَ فيها، ثم أُطلقَ، ثمَّ سُجنَ، وأخيرًا كان طلابُه يَتردَّدُون عليه في السِّجْنِ، ويتعلَّمون منه، ويَكتُبُ ويُؤلِّفُ، وهو في السِّجنِ، ثمَّ لمَّا رأوا أنَّه لم يقفْ، ولم يُحِدَّ من نَشاطِه السجنُ، قاموا ومنعوا عنه الكُتبَ، وأخرجوها من عندِه، ومنعوا عنه الحِبرَ والوَرَقَ، والزُّوارَ، عندَ ذلك تَفرَّغَ لتِلاوةِ القُرآنِ والعِبادةِ، حتَّى توفَّاهُ اللهُ في السِّجنِ بعدَ أن تَفرَّغَ للعبادةِ، وتلاوَةِ القُرآنِ، فكان يَختِمُ القُرآنَ في كلِّ ثلاثٍ، ويَشتَغِلُ بذِكْرِ اللهِ والتَّفكيرِ والتَّدبُّرِ، حتَّى وافاهُ الأجَلُ وهو في السِّجنِ رحمه الله لكنَّه خلَّفَ طلابًا أئمَّةً قاموا بالدَّعوةِ على نَمَطِ ما دعا إليه، وخلَّفَ كُتبًا وثَروةً عظيمةً، خلَّفَ من الطُّلابِ أئمَّةً
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد