×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 قُلْت: وَرِوَايَةُ الْحَاكِمِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ نَفْسَهُ قَدْ قَالَ فِي كِتَابِ «الْمَدْخَلِ إلَى مَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ مِنَ السَّقِيمِ»: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رَوَى عَنْ أَبِيهِ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً لاَ تَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَهَا مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ: أَنَّ الْحَمْلَ فِيهَا عَلَيْهِ.

قُلْت: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، يَغْلَطُ كَثِيرًا، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وقال أَبُو حَاتِم بْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَقْلِبُ الأَْخْبَارَ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَتِهِ مِنْ رَفْعِ الْمَرَاسِيلِ وَإِسْنَادِ الْمَوْقُوفِ؛ فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ.

وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْحَاكِمِ لِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ، فَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَقَالُوا: إنَّ الْحَاكِمَ يُصَحِّحُ أَحَادِيثَ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، كَمَا صَحَّحَ حَدِيثَ زُرَيْبِ بْنِ ثَرْمَلاَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ وَصِيِّ الْمَسِيحِ، وَهُوَ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ البَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا.

وكَذلك أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي مُسْتَدْرَكِهِ يُصَحِّحُهَا، وَهِيَ عِنْدَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مَوْضُوعَةٌ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مَوْقُوفًا يَرْفَعُهُ.

وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لاَ يَعْتَمِدُونَ عَلَى مُجَرَّدِ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ مَا يُصَحِّحُهُ فَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ هُوَ فِي الْمُصَحِّحِينَ بِمَنْزِلَةِ الثِّقَةِ الَّذِي يَكْثُرُ غَلَطُهُ، وَإِنْ كَانَ الصَّوَابُ أَغْلَبَ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ فِيمَنْ يُصَحِّحُ الْحَدِيثَ أَضْعَفُ مِنْ تَصْحِيحِهِ؛ بِخِلاَفِ أَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ البُسْتيِّ؛ فَإِنَّ تَصْحِيحَهُ فَوْقَ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَأَجَلُّ قَدْرًا، وَكَذَلِكَ تَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ مَنْدَه وَأَمْثَالِهِمْ فِيمَنْ


الشرح