×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

وَمِثْلُ هَذَا يَقْتَضِي حُصُولَ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ فِي كَوْنِهَا ثَابِتَةً فَلاَ حُجَّةَ فِيهَا؛ إِذِ الاِعْتِبَارُ بِمَا رَوَاهُ الصَّحَابِيُّ لاَ بِمَا فَهِمَهُ إذَا كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي رَوَاهُ لاَ يَدُلُّ عَلَى مَا فَهِمَهُ بَلْ عَلَى خِلاَفِهِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاحِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا قَالَ: اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ - مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَدْعُ لَهُ - كَانَ هَذَا كَلاَمًا بَاطِلاً؛ مَعَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا وَلاَ أَنْ يَقُولَ: فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ عَلَى وَجْهِهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِبَعْضِهِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَفَاعَةٌ وَلاَ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ شَفَاعَةٌ؛ فَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِهِ: «فَشَفِّعْهُ فِيَّ» لَكَانَ كَلاَمًا لاَ مَعْنَى لَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ عُثْمَانُ. وَالدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَالَّذِي أَمَرَ بِهِ لَيْسَ مَأْثُورًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

****

الشرح

قوله: «وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي» أي: اقبل دعائي لنفسي؛ لأن الدعاء شفاعة، فإذا دعوت الله لنفسك، ولكن إذا اجتمع مع دعائه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كان هذا أحرى للإجابة، وإن انفرد هو يدعو لنفسه، فهذا كسائر الداعين والسائلين، إذا توافرت شروط الإجابة استجاب الله، وإن اختلف شرط منها لم يستجب له.

قوله: «وَلاَ يُسَمَّى مِثْلُ هَذَا شَفَاعَةً، وَإِنَّمَا تَكُونُ الشَّفَاعَةُ إذَا كَانَ هُنَاكَ اثْنَانِ يَطْلُبَانِ أَمْرًا فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا شَفِيعًا لِلآْخَرِ، بِخِلاَفِ الطَّالِبِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَمْ يَشْفَعْ غَيْرُهُ». الشفع ضد الوتر والفرد، فالذي يدعو منفردًا يسمى موترًا، والذي يدعو معه غيره له يُسمى شفعًا بمعنى: أن الاثنين اشتركا في الدعاء لهذا الشخص، فهذا معنى الشفاعة؛ أي: ينضم إلى الداعي داع آخر يدعو له، سواء النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، فهذا معنى الشفاعة لغة من الشفع ضد الوتر، وهذا بحث لغوي.


الشرح