×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

وأيضًا: لم يثبت المكان الذي وُلد فيه، إنما هذا من باب التخرص، ولكن لو ثبت فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يذهب إليه، ولا أحياه، ولا أمر بأن يُتعاهد، بل إنه لما سُئل صلى الله عليه وسلم: هل تنزل في دارك غدًا؟ أي: داره التي كانت في مكة قبل الهجرة، قال: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً؟» ([1])، باعها عقيل بن أبي طالب، فلو كانت داره يُعتنى بها وتبقى لما باعها عقيل، ولما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على بيعها.

قوله: «وَإِذَا قَصَدَ تَخْصِيصَ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ بِالْعِبَادَةِ خَصَّصْنَاهُ بِذَلِكَ». إذا خص مكانًا أو زمانًا بالعبادة خصصناه بذلك؛ لأن هذا من باب التشريع، كما أنه صلى في بيت عتبان بن مالك من أجل أن يصلي فيه عتبان فيما بعد ([2])، وكما صلى في بيت أمِّ أنس بن مالك أم سليم لأجل أن تصلي في هذا المكان ([3])، فقصد هذا للعبادة.

فالمكان الذي قصده للعبادة يُقتدى به صلى الله عليه وسلم فيه، وأمَّا الذي صلى فيه مصادفة مثل صلواته في الطرقات أثناء السفر، فهذه لم يفعلها من أجل تخصيصها دون غيرها، وإنما لأنه أدركته الصلاة فيها وصلى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ الأَْرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ([4])، ففرق بين ما يُفعل من باب العادات، أو من باب العبادات، لكن هؤلاء لا يفقهون ولا يعقلون. وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين، وخصه بالعبادة، فنحن نصومه مثل ما صامه، وكذلك الست من شوال حثَّ على صيامها، وأيام الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، ويوم


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3058)، ومسلم رقم (1351).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (425)، ومسلم رقم (33).

([3])  أخرجه: البخاري رقم (380)، ومسلم رقم (658).

([4])  أخرجه: البخاري رقم (335)، ومسلم رقم (521).