×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 فالذي على الرسول وعلى أتباعه إنما هي هداية البيان والدلالة والإرشاد فقط، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ [فصلت: 17]، فالمراد بقوله: ﴿فَهَدَيۡنَٰهُمۡ أي: دللناهم على الحق، لكنهم لم يقبلوه، قال تعالى: ﴿وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ [البلد: 10] أي: دللناه على الخير والشرِّ، وبينَّا ووضحنا له. قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ [القصص: 56]،، حرص الرسول صلى الله عليه وسلم حرصًا شديدًا على هداية عمه أبي طالب، ولكن الله لم يشأ له الهداية؛ لأنه آثر الباطل على الحق، فمع علمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم على حقٍّ لم يتبعه؛ من باب الحمية لدين قومه ودين عبد المطلب، وقال في ذلك ([1]):

وَلَقَدْ عَلمتُ بأنَّ دين محمدٍ
 

مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا
  

لَوْلاَ الْمَلاَمَةُ أَوْ حِذَارِي سُبَّةً
 

لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا
  

هذا شعر أبي طالب، فمنعته حمية الجاهلية - والعياذ بالله - أن يقبل الحق، ولما مات على الكفر حزن الرسول صلى الله عليه وسلم عليه حزنًا شديدًا، وقال: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» ([2])، فأنزل الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ [التوبة: 113]، وأنزل في أبي طالب: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ [القصص: 56]، قوله تعالى: ﴿إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ [النحل: 37] أي: على هدى الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم حريص على هداية الناس، ويسوؤه ويحزنه إذا لم يهتدوا، قال تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ


الشرح

([1])  انظر: سيرة ابن إسحاق (2/ 136).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (1360)، ومسلم رقم (24).