×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الثالث

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المؤمنين بقضائه وقدره، والعاملين بطاعته التاركين لمعاصيه، ومن الناس من إذا أصابه مكروهٌ فإنه لا يحاسب نفسه ويعلم أن ما أصابه بذنوبه فيتوب إلى الله ويتّعظ. وإنما يجزع ويلقي اللوم على القدر وربما يسبّه. كما يقول بعض الصحفيين والكتاب: يا ظلم القدر، يا قسوة القدر، يا لسخرية القدر، وأمثال هذه الألفاظ الشنيعة التي فيها سبّ الله عز وجل لأنه هو الذي قدَّر المقدور، وبيده تصريف الأمور، فكأن هذا يقول ظلمني ربي، وسخر بي ربي، وقسى عليّ وأنا أستحق غير هذا...

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده، فليعتنِ اللَّبيبُ والناصحُ لنفسه بهذا. ولْيتبْ إلى الله ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء. ولو فَتَّشت من فَتَّشت لرأيت عنده تعنتًا على القدر وملامةً له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقلٌّ ومستكثرٌ، وفَتِّش نفسك هل أنت سالمٌ؟

فإن تَنْجُ منها تَنْجُ من ذي عظيمةٍ *** وإلا فإني لا أخالُكَ ناجيًا

وهذا الذي ذكره الإمام ابن القيم يجري على ألسن كثيرٍ من الناس إذا رأوا رجلاً صالحًا قد ابتلي بالفقر قالوا هذا ما يستحق الفقر، وإذا رأوا رجلاً آخر قد وسع عليه الرزق قالوا هذا ليس أهلاً لذلك، وهذا قدحٌ في القدر واعتراضٌ على الله. فالواجب على المسلم أن يحفظ لسانه من هذه الألفاظ البذيئة التي تخلُّ بعقيدته ودينه، فتنبهوا لذلك رحمكم الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله.

******


الشرح