×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الثالث

 أو وهو قائمٌ أو قاعدٌ أو مضطجعٌ؛ ولأن اللسان لا يتعب من تحريكه بالذكر. بخلاف بقية الأعضاء، فإنها تتعب من كثرة الحركة، وَأَفْضَلُ الذِّكْر لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فينبغي الإكثار منها، قال: «خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» »([1])

ولما كانت هذه الكلمة العظيمة بهذه المنزلة العالية من بين أنواع الذكر تعلق بها أحكام وصار لها شروطٌ، ولها معنى ومقتضى. فليست كلمةً تقال باللسان فقط، وهذه الكلمة يعلنها المسلمون في الأذان والإقامة والخطب، وهي كلمة قامت بها الأرض والسموات. وخُلِقَت من أجلها جميع المخلوقات، وبها أنزل الله كتبه، وأرسل رسله، وشرع شرائعه؛ ولأجلها نُصِبت الموازين، ووُضِعَت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسمت الخليقة من أجلها إلى مؤمنين وكفار، وعنها وعن حقوقها يكون السؤال والجواب، وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نُصِبَت القبلة، وأُسست الملة، ولأجلها جُرِّدت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد. فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وهي كلمة التقوى، والعروة الوثقى، وهي كلمة الإخلاص، وبها تكون النجاة من الكفر والنار والخلاص، من قالها عُصِمَ دمه وماله في الدنيا، وإذا كان موقنًا بها من قلبه نجى من النار في الآخرة ودخل الجنة. كما قال: «فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ» »([2]) وهي كلمةٌ وجيزة اللفظ قليلة


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (3585)، ومالك في « الموطأ » رقم (945).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (415)، ومسلم رقم (33).