كَمَا أَخْبَر
صلى الله عليه وسلم في الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاه أبو داودَ وصَحَّحه الحاكمُ
وغيرُهُ حيث قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ
الأُْمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» ([1]).
قَالَ
المُنَاويُّ: «أيْ: يُقيِّض لها «عَلَى رأس كُلِّ مائة سَنَةٍ» من الهجرة أو
غَيْرها، والمُرَاد بالرَّأس: تَقْريبًا «من»؛ أيْ: رجلاً أو أَكْثَر «يُجدِّد لها
دينَها»؛ أي: يُبيِّن السُّنَّة من البِدْعَةِ ويُكثِّر العِلْمَ، ويَنْصر أَهْله،
ويَكْسر أهل البِدْعَةِ ويذلُّهم. قَالوا: ولا يَكُون إلاَّ عالمًا بالعُلُوم
الدِّينيَّة الظَّاهرة والبَاطنَة.
قَالَ ابْنُ
كَثِيرٍ: «قَد ادَّعى كُلُّ قومٍ في إمَامِهِم أَنَّه المُرَاد بهَذَا الحَدِيثِ
والظَّاهر أَنَّه يعمُّ جُمْلةً من العُلَماء من كُلِّ طائفةٍ، وكُلِّ صِنْفٍ من
مُفسِّرٍ ومُحدِّثٍ وفقيهٍ ونَحْويٍّ ولُغويٍّ وغَيْرهم». انتهى.
وقَدْ وقع
مِصْدَاق ما أخبر به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في هَذَا الحَدِيثِ فَلاَ
يَزَال - والحَمْدُ لله - فَضْلُ الله عَلَى هَذِهِ الأُمَّة يَتوَالى بظُهُور
المُجدِّدين عند اشتدَاد الحَاجة إلَيْهم، ومن هَؤُلاَءِ المُجدِّدين الإمام
أَحْمد بْن حنبل في القَرْن الثَّالث، وشَيْخ الإِسْلاَم ابن تيمية في آخِرِ
القَرْن السَّابع وأوَّل الثَّامن، وشيخ الإِسْلاَم مُحمَّد بْن عبد الوَهَّاب في
القرن الثَّاني عَشرَ، وغَيْرهم كثيرٌ، وإنَّما ذَكَرنا هَؤُلاَءِ كأمثلةٍ.
وَغَرضُنا في هَذَا الكِتَابِ: أنْ نذكرَ ما اسْتَطَعْنا من مَضَامين فَتَاواه المُتوفِّرة لَدَينا ليعمَّ النَّفعُ بها - إنْ شَاءَ الله - ولتصلَ فَائدتُهَا وخَيْرُها إِلَى مَنْ لا يعلم شيئًا عنها، أو لَمْ يَسْتَطع الحُصُولَ عَلَيْها، ولنزيلَ الشُّبه والتَّعميمَ اللَّذَيْن رَوَّج لهما أعداءُ السُّنَّة ضدَّ هَذَا الإمَام الجَليل والمُجدِّد
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4291)، والحاكم رقم (8592)، والطبراني في «الأوسط» رقم (6527).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد