في الشَّاهدِ، مع العلمِ بالفَارقِ المميّز،
وأنَّ ما أخبر اللهُ به مِنَ الغيبِ أعظمُ مِمَّا يُعلَمُ في الشَّاهدِ، وفي
الغائب ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذنٌ سَمِعَتْ، ولا خطرَ عَلَى قلبِ بشرٍ، فنحنُ
إِذَا أخبرنا اللهُ بالغيبِ الَّذِي اختصَّ به مِنَ الجنَّةِ والنَّارِ علمنا معنى
ذَلِكَ، وفهمنا ما أُرِيدَ منا فهمه بذلك الخطابِ، وفسَّرنا ذَلِكَ، وأَمَّا نفسُ
الحقيقة المخبر عنها مثل الَّتِي لَمْ تكن بعدُ، وإِنَّمَا تَكُونُ يوم القيامةِ
فذلك مِنَ التَّأويلِ الَّذِي لا يعلَمُهُ إلاَّ اللهُ، ولِهَذَا لمَّا سُئِلَ
مالكٌ وغيرُهُ مِنَ السَّلَفِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى: {ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾ [طه: 5] ، قالوا: الاستِوَاءُ معلومٌ، والكيفُ
مجهولٌ، والإيمانُ به واجبٌ، والسُّؤالُ عنه بدعةٌ ([1])، وكَذَلِكَ قالَ ربيعةُ شيخُ مالكٍ قبْلَه: الاستواءُ
معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، ومن اللهِ البيانُ، وعلى الرَّسُولِ البلاغُ، وعلينا
الإيمانُ، فبيَّنَ أنَّ الاستواءَ معلومٌ، وأنَّ كيفيةَ ذَلِكَ مجهولٌ، ومثل هَذَا
يوجد كثيرًا في كلامِ السَّلَفِ والأئمَّةِ؛ ينفون علم العبادِ بكيفِيَّةِ صفاتِ
الله، وأنَّهُ لا يعلم كَيْفَ الله إلاَّ اللهُ فلا يعلمُ ما هُوَ إلاَّ هُوَ.
***
المُحكَمُ
والمتشَابِهُ في القُرْآنِ وما يَجِبُ نَحوهما
قالَ رحمه الله : وممَّا يوضِّحُ هَذَا أنَّ اللهَ وصفَ القُرْآنَ كُلَّه بأَنَّهُ مُحكَمٌ وبأنَّه متشابهٌ، وفي موضعٍ آخرَ جعلَ منه ما هُوَ محكمٌ ومنه ما هُوَ متشابهٌ، فينبغي أن يُعرفَ الإحكامُ والتشابهُ الَّذِي يعمُّه، والإحكامُ والتَّشابُهُ الَّذِي يخصُّ بعضَه، قالَ اللهُ تَعَالَى: {الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ﴾ [هود: 1] ، فأخبر أنَّهُ أحكم آيَاتِه كُلَّها، وقَالَ تَعَالَى: {ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ﴾ [الزمر: 23] ؛ فأخبر أنَّهُ كُلَّه متشابِهٌ.
الصفحة 1 / 471
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد