مُنافِقٌ
يُؤْذِي المُؤْمِنينَ، فقَالَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه : قُومُوا بنَا
نستَغِيثُ برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من هَذَا المُنَافِقِ، فقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّهُ
لاَ يُسْتَغَاثُ بِي، إِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ» ([1])، فهَذَا إِنَّمَا أرادَ به النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
المَعْنى الثَّانِي وهُوَ أنْ يَطْلُبَ منه ما لا يَقْدِرُ عَلَيْه إلاَّ اللهُ.
***
الشَّفاعَةُ
تكلَّمَ رحمه
الله فِي موضُوعٍ مُهِمٍّ؛ لأَنَّ الشَّفاعةَ ضَلَّ فِي مَفْهُومِهَا كَثِيرٌ مِنَ
الخَلقِ قَدِيمًا وحَدِيثًا، حَيْثُ فهِمَهَا أكثرُ الخَلْقِ عَلَى غيرِ
مفْهُومِها الصَّحيحِ؛ فكَثِيرٌ مِنَ المُشْرِكينَ بالَغُوا فِي إثْبَاتِ الشَّفاعَةِ
حَتَّى طَلَبُوا مِنَ الأمْوَاتِ، وبنوا عَلَى قبُورِهم القِبَابَ، وطَافُوا
حَولَها، وذَبَحُوا عندَهَا ومَلئُوا صنَادِيقَ النُّذورِ بالأَمْوَالِ الَّتِي
هُم بأَمَسِّ الحَاجَةِ إليها؛ كُلّ ذَلِكَ طَلَبًا للشَّفاعَةِ مِنَ الأموَاتِ!
وإِذَا قِيلَ لهم: هَذَا شِرْكٌ باللهِ قَالُوا: {هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ﴾ [يونس: 18] ، {مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا
لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ﴾ [الزمر: 3] .
ويقابِلُ هَؤُلاَءِ المُبالِغِينَ فِي إثبَاتِ الشَّفاعَةِ مبَالغَةً أوصلَتْهُم إِلَى الكُفْرِ والشِّركِ، يقَابِلُهم قَومٌ بالغُوا فِي نَفْيِ الشَّفاعةِ مُتجَاهِلِينَ النُّصوصَ الَّتِي جَاءَتْ بإِثبَاتِ الصَّحِيحِ فِيهَا، ويمثِّلُ هَذَا الفَرِيقُ المعتزِلَةُ والخوَارِجُ، وتوسَّطَ أهلُ السُّنَّةِ والجماعَةِ فأثبَتُوا ما أثْبَتَهُ اللهُ ورَسُولُه مِنَ الشفَاعَةِ ونفَوْا ما نفَاهُ اللهُ ورَسُولُهُ منها، وحِيالَ ذَلِكَ يَقُولُ شَيْخِ الإِسْلاَم ابنُ تيميَّة رحمه الله : الشَّفاعَةُ المنفِيَّةُ فِي القُرآنِ الكريمِ كقَولِهِ تَعَالَى: {وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ﴾ [البقرة: 48] ، وقولِهِ: {مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ﴾ [البقرة: 254] ، وقولِهِ: {فَمَا لَنَا
الصفحة 1 / 471