الفَوَارِقُ
بينَ أهلِ السُّنَّةِ وَالحديثِ
وَبَينَ
الفَلاَسِفَةِ وَعُلَمَاءِ الْكَلامِ
يُبَيِّنُ الشَّيخُ رحمه الله ما بَينَ أَهلِ السُّنَّةِ والحَديثِ وما بَينَ عُلمَاءِ الكَلامِ والفَلاسِفَةِ من الفَوارِقِ العَظَيمةِ فيقَولُ تَجِدُ أَهْلَ الفَلسَفَةِ والكَلاَمُ أعْظَمُ الناسِ افتِرَاقًا واخْتِلافًا، معَ دعْوَى كُلٍّ منهُم أنَّ الذي يَقُولُهُ حَقٌّ مقطُوعٌ به قَام عليهِ البُرْهَانُ، وأهْلُ السنَّةِ والحَدِيثِ أعظَمُ الناسِ اتِّفاقًا وائْتِلافًا، وكُلُّ مَن كانَ إِلَيهِم منَ الطَّوائِفِ أقربُ كان إِلَى الاتِّفَاقِ والائْتِلافِ أقربَ، فالمُعْتَزلةِ أكثرُ اتِّفَاقًا وائتِلافًا مِن المتفلسفَةِ؛ إِذ للفَلاسِفَةِ فِي الإلهِيَّاتِ والمَعَادِ والنبوَّاتِ، بل في الطبيعيَّاتِ والرِّيَاضَياتِ وصِفَاتِ الأفَلاَكِ مِن الأَقْوالِ ما لا يُحْصِيهِ إلاَّ ذو الجَلالِ، وقد ذكَرَ مَن جمعَ مقَالاتِ الأوائِلِ مثلُ أبي الحسنِ الأشعريِّ فِي كِتابِ «المَقَالاتِ»، ومثلُ القاضِي أبي بكرٍ فِي كتابِ «الدقائق» في مقالاَتِهم بِقَدرِ اللهِ يذكُرُه الفَارَابِيُّ وابنُ سِينَا وأمثَالِهِمَا أضَعَافًا، وأَهْلُ الإثباتِ من الكراميةِ والأَشعَريةِ أكثَرُ اتِّفَاقًا وائْتِلافًا مِنَ المُعْتَزِلة، فإنَّ في المعتَزِلَةِ مِنَ الاختِلافَاتِ وتَكفِيرِ بعضِهِم بَعضًا حتَّى لَيُكَفِّرَ التلميذُ أستاذَهُ: جِنسُ ما بينَ الخَوَارِجِ، وقد ذَكَرَ مَن صنَّفَ في فضَائِح المعتزِلَةِ مِن ذلك ما يَطُولُ وصْفُهُ، ولستَ تَجِدُ اتِّفَاقًا وائْتِلافًا إلاَّ في اتِّبَاعِ آثارِ الأَنْبِياءِ مِنَ القُرآنِ والحَدِيثِ، ولا تَجِدُ افْتِرَاقًا واخْتِلافًا إلاَّ عندَ مَن ترَكَ ذلك، وقدَّم غيرَه عليه، قال تعالى: {وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ١١٩﴾ [هود: 118- 119] ، فَأخبَرَ أَنَّ أهْلَ الرحْمَةِ
الصفحة 1 / 471
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد