لا يَختَلِفُونَ، وأهلُ الرحْمَةِ هُم أَتْبَاعُ
الأنبِياءِ قولاً وفِعلاً، وهُم أَهلُ القُرآنِ والحَدِيثِ من هذه الأمَّةِ؛ فمَن
خَالَفَهُم فِي شَيءٍ مِن ذلكَ فَاتَهُ مِن الرَّحمةِ بِقَدر ذلكَ؛ ولِهَذَا
لَمَّا كَانَتِ الفَلاَسِفَةُ أبعدَ عَنِ اتِّبَاعِ الأَنْبِيَاءِ كَانُوا أَعظَمَ
اخْتِلاَفًا، والخَوَارِجُ والمُعْتَزِلَةِ والرَّوَافِضِ لَمَّا كَانُوا أَيضًا
أَبعَدَ عنِ السُّنَّةِ والحَديثِ كَانُوا أَعظَمَ اختِلاَفًا، لا سِيَّمَا
الرَّافِضَةُ فإِنَّهُ يُقَالُ: إِنَّهم أعْظَمَ الطَّوَائِفِ اختِلاَفًا؛ وذَلِكَ
لأنَّهُم أبعدُ الطَّوَائِفِ عنِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ.
وَأَبُو
مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ «مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ» لمَّا
ذكرَ أهلَ الحَديثِ وَأَئِمَّتَهُم وأَهْلَ الكَلامِ وَأَئِمَّتَهم، قَفَّى بِذكرِ
هَؤلاءِ ووَصَفَ أقوالَهُم وأعمالَهُم ووَصَفَ أئِمَّةَ هؤلاءِ وأقوالَهم
وأَعْمَالَهُم؛ ممَّا يُبَيَّنُ أحدٌ أنَّ أهلَ الحَدِيثِ هُم أهلُ الحَقِّ
والهُدَى وَأَنَّ غَيْرَهُم أَوْلَى بِالضَّلاَلِ والجَهْلِ والْحَشْوِ
والبَاطِلِ، وأيضًا المخالِفُونَ لأهلِ الحَدِيثِ هُم مَظَنَّةُ فَسَادِ
الأعْمَالِ إمَّا عَن سُوءِ عَقيدِةٍ ونِفَاقٍ، وإمَّا عَنْ مَرَضٍ في القلبِ
وضَعْفِ إِيمانٍ؛ فَفِيهِم مَن تَرَكَ الوَاجِبَاتِ وَاعْتِدَاءِ الحُدودِ
والاسْتِخَفافِ بالحُقُوقِ، ومَنْ كانَ فِيهِم مَنْ هُوَ مَعْروفٌ بِزُهْدٍ
وعِبَادَةٍ فَفِي زُهدِ بَعضِ العَامَّةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَعِبَادَتِهِ
مَا هُوَ أَرْجَحُ مِمَّا هُو فيهِ.
ومِنَ المَعرُوفِ أنَّ العِلْمَ أَصلُ العَمَلِ، وصِحَّةُ الأُصُولِ تُوجِبُ صِحَّةَ الفُرُوعِ، والرَّجلُ لا يَصْدرُ عنهُ فَسَادُ العَمَلِ إلاَّ لِشَيْئَيْنِ: إمَّا الحَاجَةُ وَإِمَّا الجَهْلُ، فأمَّا العَالِمُ بِقُبحِ الشَّيءِ فَلا يَفْعَلُهُ، اللَّهُمَّ إلاَّ مَن غَلَبَ هَواهُ عَقْلَهُ واستولَتْ عَليهِ المَعَاصِي، فَذَاكَ لَوْنٌ آخَرُ وَضَربٌ ثَانٍ، وأَيْضًا أَنَّه لاَ يُعْرَفُ مِن أهلِ الْكَلاَمِ أَحَدٌ إلاَّ ولَهُ في الإِسلاَِم مَقَالَةُ يُكَفِّرُ قَائِلُها عُمومَ المُسلِمينَ حتَّى أصحَابَهُ، وفِي التَّعميمِ مَا يُغْنِي عَن التَّعيينِ، فأيُّ
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد