×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 حُضُورِه، أو مَغِيبِه، أو بعدَ موتِه فلَيسَ هَذَا مشهورًا عِنْدَ الصَّحابةِ والتابعينَ، ولذلك عدَلُوا عَنِ التَّوسُّلِ به بعدَ مَوتِه إِلَى التَّوسُّلِ بعَمِّه العبَّاس، وقَدْ كَانَ مِنَ المُمكِنِ أن يَأْتُوا إِلَى قَبْرِه فيتوسَّلُوا به.

***

حُكْمُ التَّوسُّل بجَاهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

قالَ شَيخُ الإسْلاَمِ رحمه الله : رَوَى بَعْضُ الجُهَّالِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ بجَاهِي، فإنَّ جاهِي عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ»، وَهَذَا الحديثُ كذِبٌ لَيْسَ في شَيءٍ من كُتُبِ المُسْلِمِينَ الَّتِي يعتمد عَلَيْهَا أهلُ الحديثِ، ولا ذكَرَهُ أحَدٌ من أهْلِ العِلمِ بالحديثِ، مع أنَّ جاهَهَ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى أعظمُ من جاهِ جميعِ الأنبياءِ والمرسلينَ، وقَدْ أخبرنَا سُبْحَانَهُ عَنْ مُوسَى وعِيسَى عليهما السلام أنَّهُما وجِيهَانِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا [الأحزاب: 69] ، وقَالَ تَعَالَى: {إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٖ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيهٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ [آل عمران: 45] ، فإِذَا كَانَ مُوسَى وعِيسَى وجيهينِ عِنْدَ اللهِ عز وجل ؛ فكَيْفَ بسيِّدِ ولدِ آدمَ صَاحب المقَامِ المحمُود الَّذِي يغْبِطُه به الأوَّلُون والآخِرُون؟ وصاحِبُ الكوثَرِ والحَوضِ المَوْرُودِ، الَّذِي آنِيَتُه عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، ومَاؤُه أشَدُّ بياضًا مِنَ اللَّبنِ، وأحْلَى مِنَ العسَلِ، ومن شَرِبَ منه شَربةً لَمْ يظْمَأْ بعدهَا أبدًا، وَهُوَ صاحِبُ الشَّفاعةِ يومَ القِيَامةِ حَيثُ يتأخَّرُ عنها آدَمُ وأولُو العزمِ: نُوحٌ وإبْراهِيمُ ومُوسَى وعِيسَى صلوات الله وسلامه عَلَيْهِم أجمعين، ويتقدَّمُ هُوَ إليها، وَهُوَ صَاحِبُ اللِّوَاءِ، آدم ومن دُونَه تَحْتَ لِوَائِه.


الشرح