×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

المَجِيدُ، وهُوَ قادِرٌ بنَفْسِه، وقُدْرَتُه من لوَازِمِ ذَاتِه، وكذَلِكَ رَحْمَتُه وعِلْمُه وحِكْمَتُه لا يحتَاجُ إِلَى خَلْقِهِ بوجْهٍ من الوُجُوهِ. بل هُوَ الغَنِيُّ عَنِ العَالمِينَ: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ[النمل: 40] . {وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ ٧ وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ٨ [إبراهيم: 7- 8] ، لا يفعلُ شيئًا لحاجَةٍ إِلَى غيرِهِ وهُوَ سُبْحانَه بالغُ أمرِه، فكُلُّ ما يَطْلُبُ فهو يبْلُغُه وينَالُه ويَصِلُ إليه وَحْدَه لا يُعِينُهُ أحدٌ، ولا يَعُوقُه أحَدٌ، لا يحتاجُ فِي شَيْءٍ من أُمُورِه إِلَى مُعينٍ، وما له من المَخْلُوقِينَ ظَهِيرٌ، ولَيْسَ له وَلِيٌّ من الذُّلِّ.

***

حاجَةُ العبدِ إِلَى الرَّبِّ

عقدَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ رحمه الله فصلاً لبيانِ حاجَةِ العبدِ إِلَى الرَّبِّ وغنى الرَّبِّ عنه، ومَع ذَلِكَ فاللهُ يحِبُّ من عبْدِهِ أنْ يسْأَلَه بخِلاَفِ المخْلُوقِ فإنَّكَ إِذَا سألْتَه شيئًا أبغضَكَ وكَرِهَكَ، كَمَا أنَّ فِي افتِقَارِ العبدِ إِلَى اللهِ عِزُّهُ وكَرامَتُه، وفي افتقَارِهِ إِلَى المخلوقِ ذِلَّتُهُ ومهَانَتُهُ؛ قَالَ رحمه الله :

والعبدُ كُلَّمَا كَانَ أذَلَّ للهِ وأعظمَ افتِقَارًا إليه وخُضُوعًا له كَانَ أقْرَبَ إليه وأعَزَّ له وأعظَمَ لقَدْرِهِ، فأسْعَدُ الخَلقِ أعْظَمُهُم عُبودِيَّةً للهِ، وأَمَّا المخلوقُ فَكَمَا قِيلَ: «احتَجْ إِلَى مَنْ شِئْتَ تكُنْ أَسِيرَه، واسْتَغْنِ عمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَه، وأحْسِنْ إِلَى مَن شِئْتَ تَكُنْ أَمِيرَهُ»؛ فأعْظَمُ ما يَكُونُ العبْدُ قَدْرًا وحُرمَةً عندَ الخلقِ إِذَا لم يحْتَجْ إليهم بوَجْهٍ من الوُجُوهِ؛ فإن أحْسَنْتَ إليهم مَعَ الاسْتِغْنَاءِ عنهم كُنتَ أعْظَمَ ما يَكُونُ عِنْدَهُم، ومتى احْتَجْتَ إليهم، ولو فِي شَربةِ مَاءٍ، نقَصَ قَدْرُكَ عِنْدَهُم بقَدْرِ حَاجَتِكَ إليهِم.


الشرح