×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

حكمُ سؤَالِ المخْلُوقِ

قالَ رحمه الله : وأَمَّا سُؤالُ المخلوقِ المخلوقَ أنْ يَقْضِيَ حاجةَ نَفْسِه، أو يَدْعُوَ له فلَمْ يُؤْمَر به، بخلافِ سؤالِ أهلِ العلمِ فإِنَّ اللهَ أمرَ بسُؤَالِ أهلِ العلمِ كَمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ [النحل: 43] ، وقَالَ تَعَالَى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡ‍َٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ [يونس: 94] ، وقَالَ تَعَالَى: {وَسۡ‍َٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ [الزخرف: 45] ، وَهَذَا لأنَّ العِلْمَ يجِبُ بذله، «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ([1])، وَهُوَ يزْكُو عَلَى التعليمِ ولا ينقصُ بالتعليمِ كَمَا تنقُصُ الأموالُ بالبذْلِ، ولِهَذَا يشبه المصبَاح، وكذلِكَ مَن له عِنْدَ غَيره حقّ كالأمانَاتِ، مثل: الوديعة والمضاربَة لصاحِبِها أنْ يَسأَلَها ممَّن هي عندَهُ، وكَذَلِكَ مالُ الفَيءِ وغيرِهِ مِنَ الأموَالِ المُشْتركَةِ الَّتِي يتولَّى قِسْمَتَها وليُّ الأمرِ، للرَّجلِ أن يطْلُبَ حقَّه منه، كَمَا يطْلُبُ حَقَّه مِنَ الوقْفِ والمِيرَاثِ والوصِيَّة.

ومن هَذَا البابِ سؤالُ النفقَةِ لمن تَجِبُ عَلَيْهِ، وسُؤال المُسافِرِ الضِّيافةََ لمَن تَجِبُ عَلَيْهِ، كَمَا اسْتَطْعَم مُوسَى والخضرُ أهلَ القريةِ، وكَذَلِكَ الغرِيمُ له أن يطْلُبَ دَينه ممَّن هُوَ عَلَيْهِ، وكُلٌّ مِنَ المتعاقدين لَهُ أن يسألَ الآخرَ أداءَ حقِّه إِلَيْهِ، فالبَائِعُ يسأَلُ الثَّمنَ، والمُشتَرِي يسْأَلُ المَبِيعَ، ومن هَذَا البابِ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ [النساء: 1] ، ومن السُّؤالِ ما لا يكونُ مأْمورًا به، والمسئولُ


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (3658)، والترمذي رقم (2649)، وابن ماجه رقم (266).