×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وقَدْ قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ» ([1])، ويَقُول الله تَعَالَى: «أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلِّي» ([2])؛ فتعيَّنَ أَنَّ الأمرَ كُلَّهُ عائدٌ إِلَى تحقيقِ التَّوحيدِ، وأَنَّه لا ينفَعُ أحدٌ ولا يَضُرُّ إلاَّ بإذْنِ اللهِ، وأَنَّه لا يجُوزُ أنْ يُعبُدَ أحدٌ غيرَ اللهِ، ولا يُستَعَانُ به من دُونِ اللهِ، وأَنَّه يومَ القِيَامةِ يظْهَرُ لجَمِيعِ الخَلْقِ أَنَّ الأمْرَ كُلَّهُ للهِ، ويتبَرَّأُ كُلُّ مَدْعو ممَّن دعَاه، فلا يبْقَى من يَدَّعِي لنَفْسِه مَعَهُ شِرْكًا فِي رُبُوبِيَّتِه أو إِلَهِيَّتِه، ولا مَن يَدَّعِي ذَلِكَ لغَيرِهِ، بخِلاَفِ الدُّنْيَا فإِنَّه وإنْ لَمْ يَكُنْ رَبًّا ولا إله إلاَّ هُو فقَدِ اتَّخَذَ غَيرَه ربًّا وإلهًا، وادَّعَى ذَلِكَ مُدَّعُونَ، وفي الدُّنْيَا يشْفَعُ الشَّافِعُ عندَ غَيرِه، وينتَفِعُ بشفَاعَتِه، وإن لَمْ يَكُنْ أَذِنَ له فِي الشَّفَاعِةِ، ويَكُونُ خَلِيلُهُ فيُعِينُهُ ويَفْتَدِي نفْسَه مِنَ الشَّرِّ، وقَدْ نفَى اللهُ هَذِهِ الأقْسَامَ الثَّلاثةَ قَالَ تَعَالَى: {لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ [البقرة: 48] .

***

الوَاسِطَةُ بين الحَقِّ والخَلقِ

هَذِهِ المسألةُ سَاءَتْ فِيهَا أفهَامُ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ ممَّا أدَّى ببعْضِهِم إِلَى الكُفْرِ والضَّلالِ، فقَدْ سُئِلَ شَيْخُ الإِسْلاَم عن رَجُلَينِ تنَاظَرا، فقَالَ أحَدُهُما: لاَ بُدَّ لنا من واسِطَةٍ بينَنَا وبينَ اللهِ؛ فإنَّا لا نَقْدِرُ أنْ نَصِلَ إليه بغيرِ ذَلِكَ!


الشرح

([1])أخرجه: مالك في «الموطأ» رقم (1711)، وأحمد رقم (22002)، وابن حبان رقم (575).

([2])أخرجه: مسلم رقم (2566).