وهَذَا من
حِكْمَةِ اللهِ ورَحمَتِه ليَكُونَ الدِّينُ كُلُّه للهِ ولا يُشْرَكُ به شَيْءٌ،
فالرَّبُّ سُبْحانَه أكْرَمُ ما تَكُون عَلَيْه، أحْوَجُ ما تَكُون إليه، وأفقَرُ
ما تَكُون إليه، والمخْلُوقُ أهْوَنُ ما تَكُونُ عَلَيْهم، أحوجُ ما تَكُون إليهم؛
لأَنَّهم كُلَّهُم مُحتَاجُونَ فِي أنفُسِهم؛ فهم لا يعلَمُون حَوَائِجَكَ، ولا
يَهتَدُونَ إِلَى مصْلَحَتِكَ، بل هُمْ جهلَةٌ بمصَالِحِ أنفُسِهِم فكَيفَ يهْتَدُونَ
إِلَى مصْلَحَةِ غَيرِهم فإِنَّهم لا يَقْدِرُونَ عَلَيْها ولا يُرِيدُونَ من
جِهَةِ أنفُسِهِم فلا عِلْمَ ولا قُدْرَةَ ولا إِرَادَةَ. والرَّبُّ تَعَالَى
يعلَمُ مصَالِحَكَ، ويقْدِرُ عَلَيْها ويرِيدُهَا رَحمةً منه وفضْلاً، وَذَلِكَ صفَتُه
من جهَةِ نَفْسِه، لا شَيْء آخر جعَلَه مُرِيدًا ورَاحِمًا، بل رَحْمَتُه من
لوَازِمِ نَفْسِه، فإِنَّه كتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحمَةَ، ورحمتُه وسِعَتْ كُلَّ
شَيْءٍ، والخلقُ كُلُّهم مُحتَاجُون لا يفْعَلُون شيئًا إلاَّ لحَاجَتِهم
ومَصْلحَتِهم، والسَّعِيدُ منهم الَّذِي يعمَلُ لمصْلَحَتِه الَّتِي هي مَصلحة، لا
لما يَظنُّهُ مصلحة، ولَيْسَ كذلكَ.
فهُم
ثَلاثَةُ أصنَافٍ: ظَالمٌ
وعَادِلٌ ومُحْسنٌ.
فالظَّالِمُ
الَّذِي يأخُذُ منك مالاً أو نفْعًا ولا يُعْطِيكَ عِوَضَهُ أو ينفَعُ نفْسَه بضَرَرِكَ.
والعادِلُ
المُكافِئُ لكَ، كالبَائِعِ، لا لكَ ولا عَلَيْكَ.
والمُحْسِنُ
الَّذِي يُحْسِنُ لا لعِوَضٍ ينَالُه منكَ، فهَذَا إِنَّمَا عَمِلَ لحَاجَتِه
ومصْلَحَتِه، وهُوَ انتفَاعُهُ بالإحسَانِ وما يحصُلُ له بذَلِكَ ممَّا تحبُّه
نفْسُهُ من الأجْرِ، أو طَلبِ مَدْحِ الخَلقِ وتعْظِيمِهم، أو التَّقرُّبِ إليك،
إِلَى غيرِ ذَلِكَ، وبكُلِّ حالٍ ما أحسنَ إليكَ إلاَّ لما يرْجُو من الانتِفَاعِ،
وسَائِرُ الخلقِ إِنَّمَا يُكْرِمُونَكَ ويعَظِّمُونَك لحَاجَتِهم إليكَ
وانتفَاعِهم بك: إمَّا بطَرِيقِ المُعَاوضَةِ، وإمَّا بطَريقِ الإحسانِ. فأقْرِبَاؤُكَ
وأصْدِقَاؤُكَ
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد