وغَيرُهم إِذَا أكْرَمُوك فهُمْ إِنَّمَا يُكْرِمُونَك
لمَا يحْصُلُ لهم من الكَرَامةِ منكَ مَن لو قَد وَلَّيْتَ ولَّوا عنكَ وتركُوكَ،
فهُم فِي الحقيقَةِ إِنَّمَا يحِبُّون أنْفُسَهُم وأغْرَاضَهم.
فهَؤُلاَءِ
كلُّهُم من المُلُوكِ إِلَى مَنْ دُونَهم تَجِدُ أحدَهُم سَيِّدًا مُطَاعًا وهُوَ
فِي الحقيقَةِ عبدٌ مُطِيعٌ. ومتى كُنتَ مُحتَاجًا إليهم نقصَ الحُبُّ والإكْرَامُ
والتَّعظِيمُ بحَسبِ ذَلِكَ، وإن قَضَوْا حَاجَتكَ. والرَّبُّ تَعَالَى يمْتَنِعُ
أن يَكُونَ مُكَافيًا له أو مُتفَضِّلاً عَلَيْه. ولهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم إِذَا رُفِعَتْ مَائِدَتُه يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا
كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلاَ مَكْفُورٍ وَلاَ
مُودَّعٍ، وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا». رَوَاهُ البخَارِيُّ من حدِيثِ
أبي أُمامَةَ ([1]). بل ولا يَزالُ اللهُ هُو المُنعمُ المُتفَضِّلُ عَلَى
العَبْدِ وَحْدَه ولا شَرِيكَ له فِي ذَلِكَ، بل مَا بالخَلْقِ كُلِّهم من نِعمَةٍ
فمَنِ اللهِ. وسعَادَةُ العبدِ من كمَالِ افتِقَارِه إِلَى اللهِ واحتِيَاجِه
إليه، وأن يَشْهَدَ ذَلِكَ ويَعْرِفَه ويتَّصِفَ معه بمُوجبِه، أي: بمُوجبِ
عِلْمِه ذَلِكَ؛ فإِنَّ الإنسانَ قَدْ يفْتَقِرُ ولا يعْلَمُ، مثل أنْ يذْهَبَ
مالُهُ ولا يعْلَمُ.
والخلْقُ
كُلُّهم فُقَراءُ إِلَى اللهِ لكنَّ أهْلَ الكُفْرِ والنِّفَاقِ فِي جَهلٍ بهَذَا
وغَفلَةٍ عنه وإِعرَاضٍ عن تَذَكُّرِه والعمَلِ به، والمُؤْمِنُ يقرُّ بذَلِكَ
ويعمَلُ بموجبِ إقْرَارِه وهَؤُلاَءِ هُم عِبَادُ اللهِ.
ثُمَّ بيَّنَ رحمه الله ما يُطْلَقُ العبدُ فقَالَ: ولفْظُ العبدِ فِي القرآنِ يتنَاوَلُ مَن عَبَدَ اللهَ؛ فأمَّا عبْدٌ لا يَعْبُدُه فلا يُطْلَقُ عَلَيْه لفْظُ عبْدِه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٞۚ﴾ [الإسراء: 65] ، وقولُهُ: {عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ﴾ [الإنسان: 6] ، {وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا﴾ [الفرقان: 63] ،
([1])أخرجه: البخاري رقم (5458).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد