×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ [ص: 17] ، {وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ [ص: 41] ، {وَٱذۡكُرۡ عِبَٰدَنَآ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ [ص: 45] ، {سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ [الإسراء: 1] ، ونحو هَذَا كَثِيرٌ.

وقَدْ يُطْلَقُ لفْظُ العَبدِ عَلَى المخلُوقاتِ كُلِّهَا كقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡۖ [الأعراف: 194] ، {إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّآ ءَاتِي ٱلرَّحۡمَٰنِ عَبۡدٗا [مريم: 93] ، وفي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الدَّجَّالِ: «فَيُوحِيَ اللهُ إِلَى الْمَسِيحِ: إنَّ لِي عِبَادًا لاَ يَدَانِ لأَِحَدٍ بِقِتَالِهِمْ» ([1])، وهَذَا كقَولِه {بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا [الإسراء: 5] .

فهَؤُلاَءِ لَمْ يَكُونوا مُطيعِينَ لله لَكِنَّهُم مَعَّبُدُونَ مَذلُلُونَ مَقْهُورُونَ يجْرِي عَلَيْهم قَدَرُه، وقَدْ يَكُونُ كَونُهم عَبِيدًا هو اعْتِرَافُهم بالصَّانِعِ وخُضُوعُهم له، وإن كَانُوا كُفَّارًا؛ كقولِهِ: {وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ [يوسف: 106] ، وقولِهِ: {إِلَّآ ءَاتِي ٱلرَّحۡمَٰنِ عَبۡدٗا [مريم: 93] ، أي: ذَلِيلاً خَاضِعًا، ومعْلُومٌ أَنَّهم لا يَأْتُونَ يومَ القِيَامَةِ إلاَّ كَذلكَ، وإِنَّمَا الاستِكْبَارُ عن عبَادَةِ اللهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا.

وقَالَ رحمه الله عن إِسْلاَمِ المخْلُوقاتِ وقُنُوتِهَا له المَذكُورَيْنِ فِي قولِهِ تَعَالى: {وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا [آل عمران: 83] ، وقَولِه: {وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا [الرعد: 15] ، وقالَ: {بَل لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ [البقرة: 116] : فلَيْسَ المُرادُ بذَلِكَ مُجَرَّدَ كَونِهم مخْلُوقِينَ مُدَبَّرِينَ مَقْهُورِينَ تحتَ المَشِيئَةِ والقُدرَةِ، فإن هَذَا لا يُقَالُ: طَوعًا وكَرهًا؛ فإِنَّ الطَّوعَ والكَرْهَ إِنَّمَا يَكُونُ لمَا يفعَلُه الفاعِلُ طَوعًا وكَرهًا، فأمَّا ما لا فِعْلَ له فِيهِ لا يقَالُ له: سَاجِدٌ


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (2937).