×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

فَريقٍ أَحَقُّ بالحَشْوِ والضَّلاَلِ مِن هَؤُلاءِ؟ وذَلكَ يَقْتَضِي وُجودَ الرِّدَّةِ فيهم كما يُوجَدُ النِّفَاقُ فِيهِم أَكْثَرُ، وهَذا إِذَا كَانَ فِي المَقَالاَتِ الخَفِيَّةِ فقد قَال: إِنَّهُ فِيهَا مُخْطِئٌ ضَالٌّ؛ لم تَقُمْ عليهِ الحُجَّةُ التي يَكْفُرُ صَاحِبُها، لكنَّ ذَلِكَ يَقَعُ في طَوائِفَ منهم في الأُمُورِ الظَّاهِرةِ التي يَعْلَمُ العَامَّةُ والخَاصَّةُ مِن المُسلِمينَ أنَّها مِن دِينِ المُسلِمِينَ، بلِ اليهودُ والنَّصَارَى يَعْلَمُون أنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم بُعِثَ بها وكفَّر مُخَالِفَها، مِثلُ أمرِه بِعَبادِةِ اللهِ وحدَه لا شَرِيكَ له، ونَهْيُهُ عن عِبادةِ أحدٍ سِوى اللهِ؛ مِنَ المَلائِكَةِ والنَّبيينَ والشَّمسِ والقمَرِ والكَواكِبِ وَالأصْنَامِ وغيرِ ذَلِكَ، فإنَّ هَذا أظْهَرُ شَعائرِ الإِسلامِ، ومِثلُ أمرِهِ بِالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ وإيجَابِه لها وَتَعْظِيمِ شَأْنِهَا، ومثلُ معَاداتِه لليهُودِ والنَّصارَى والمُشرِكِينَ والصَّابئينَ والمَجُوسِ، ومثلُ تَحْريمِ الفَوَاحِشِ والرِّبا والخَمْرِ والمَيْسِرِ ونَحْوِ ذلك.

ثُمَّ تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ رُؤَسائِهم وقَعَ في هذهِ الأُمُورِ فكَانُوا مُرْتَّدينَ، وإن كانُوا قَدْ يَتُوبُونَ مِن ذلِكَ ويَعُودُونَ إِلَى الإِسْلاَمِ، وقد حُكِي عنِ الجَهْمِ بنِ صَفْوانَ أنه تَرَكَ الصَّلاةَ أربعينَ يومًا لا يَرَى وُجُوبَها، كرُؤَساءِ العَشَائِرِ مثلِ الأقرعِ بنِ حَابسٍ وَعُيَيْنَةُ بنُ حِصْنٍ ونحوِهم مِمَّنِ ارتدَّ عنِ الإسلامِ ودخَل فيهِ؛ فَفِيهم مَن كَانَ يُتَّهَمُ بالنِّفاقِ ومَرَضِ القلبِ، وفِيهِم مَن لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَمَن صُنِّفَ فِي مَذْهَبِ المُشْرِكينَ ونحوِهِم أحسنُ أَحْوالِهِ أن يَكُونَ مُسلمًا، فكثيرٌ مِن هؤلاءِ تَجِدُه تَارَةً يَرْتَدُّ عنِ الإسلامِ رِدَّةً صريحةً، وتارةً يَعُودُ إليهِ معَ مَرَضٍ في قَلْبِه وَنِفَاقٍ، والحِكاياتُ عنهم بذلكَ مَشْهُورةٌ، وأبلغُ مِن ذلك أنَّ مِنهُم مَن يُصَنَّفُ في دينِ المُشرِكينَ والرِّدَّةِ عن الإِسلامِ، كما صنَّفَ الرَّازي كِتَابَهُ في عِبادَةِ الكَواكِبِ والأَصْنَامِ، وأقَام الأدلَّةَ على حُسْنِ ذَلِكَ ومَنْفَعَتِه، ورغَّبَ فيه


الشرح