×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

مِن شَٰفِعِينَ [الشعراء: 100] ، وقَولِهِ: {مَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ [غافر: 18] ، وقَولِهِ: {يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ [الأعراف: 53] ، واحتَجَّ بكَثِيرٍ منه الخَوارِجُ والمُعتزلَةُ عَلَى منعِ الشَّفاعَةِ لأهْلِ الكبَائِرِ؛ إذْ منعُوا أنْ يشْفَعَ لمَنْ يستحِقُّ العذابَ، أو أن يُخْرِجَ مِنَ النارِ مَن يدْخُلُها ولم يَنفوا الشَّفاعةَ لأهْلِ الثَّوابِ فِي زيادَةِ الثَّوابِ.

ومَذْهَبُ سلفِ الأُمَّةِ وأئمَّتها وسَائِرِ أهلِ السُّنَّةِ والجمَاعَةِ إثباتُ الشَّفاعَةِ لأهْلِ الكبَائِرِ وأَنَّه يخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَن كَانَ فِي قَلْبِه مثقَالُ ذرَّةٍ من إيمَانٍ.

ثُمَّ ردَّهُ عَلَى المعتزلةِ والخَوارجِ النَّافِين للشَّفاعَةِ مُطلَقًا استِنَادًا إِلَى ظَاهِرِ الأدِلَّةِ الَّتِي فِيهَا نفيُ الشَّفَاعةِ، فقَالَ: الشَّفاعَةُ المَنفِيَّةُ هي الشَّفاعَةُ المَعرُوفَةُ عندَ النَّاسِ عندَ الإطلاقِ، وهي: أنْ يشفَعَ الشَّفِيعُ إِلَى غَيرِه ابتِدَاءً فيَقْبَلُ شفَاعَتَه، فأمَّا إِذَا أذِنَ له فِي أن يَشْفَعَ فشَفعَ لَمْ يَكُنْ مستَقِلًّا فِي الشَّفاعَةِ، وتَكُون شَفاعَتُهُ مَقْبُولةً، ويَكُونُ الأمرُ كُلُّهُ للآمِرِ المَسئُولِ.

وقَدْ ثبَتَ بنَصِّ القُرآنِ فِي غيرِ آيةٍ أنَّ أحدًا لا يشفعُ عندَهُ إلاَّ بإِذْنِه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ [البقرة: 255] ، وقالَ: {وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ [سبأ: 23] ، وقالَ: {وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ [الأنبياء: 28] ، وأمثالُ ذَلِكَ، والَّذِي يبيِّنُ أنَّ هَذِهِ هي الشَّفاعَةُ المنفِيَّةُ أَنَّه قَالَ: {وَأَنذِرۡ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحۡشَرُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَيۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ [الأنعام: 51] ، وقَالَ تَعَالَى: {ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا شَفِيعٍۚ [السجدة: 4] ؛ فأخبَرَ سُبْحانَه أَنَّه لَيْسَ لهُمْ من دُونِ اللهِ ولِيٌّ ولا شَفِيعٌ.


الشرح