×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 وكَانَ ما ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُخَالفُهُ فإِنَّهُ لا يتابَعُ عَلَيْهِ، ويكونُ بالنِّسبَةِ لَهُ من بابِ الاجتهادِ الَّذِي يُرَدُّ إِلَى الكتابِ والسُّنَّةِ.

قالَ رحمه الله في هَذَا الموضوعِ: سَائِرُ ما يُنقَلُ عَنْ آحادِ الصَّحابةِ في جنسِ العباداتِ، أو الإباحاتِ، أو الواجبات، أو التحريمات، إِذَا لَمْ يُوافِقْه غيرُهُ مِنَ الصحابةِ عَلَيْهِ، وكَانَ ما يثبُتُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يخالِفُه لا يوافِقُه؛ لَمْ يَكُنْ فِعْلُه سُنَّةً يجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ اتِّباعها، بل غَايَتُه أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ، وما تنازَعَتْ فِيهِ الأُمَّةُ؛ فيجِبُ رَدُّه إِلَى اللهِ والرَّسولِ، ولِهَذَا نظَائِرُ كثيرةٌ، مثل: ما كَانَ ابنُ عمرَ يُدْخِلُ الماءَ في عَينَيهِ في الوضُوءِ، ويأخذ لأُذُنيهِ ماءً جديدًا ([1])، وكَانَ أبو هُريرَةَ يغْسِلُ يديه إِلَى العضدينِ في الوضوءِ ويقولُ: منِ اسْتطَاعَ أن يُطِيلَ غرَّتَهُ فليفْعَلِ، بل هَذَا من كلامِ أبي هُرَيْرَةَ جاءَ مُدْرَجًا في بَعْضِ الأحاديثِ، وإِنَّمَا قالَ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» ([2])، وكَانَ صلى الله عليه وسلم يتوضَّأُ حَتَّى يشرعَ في العضدِ والسَّاقِ، قالَ أبو هريرةَ: من استطاعَ أن يُطِيلَ غُرَّتَه فليفْعَلْ، وظَنَّ مَن ظَنَّ أن غَسْلَ العَضُدِ من إطَالَةِ الغُرَّةِ، وَهَذَا لا معنًى لَهُ؛ فإِنَّ الغُرَّةَ في الوَجْهِ لا في اليَدِ والرِّجلِ، وإِنَّمَا في اليدِ والرِّجْلِ الحجلةُ، والغرَّةُ لا يمكن إطالتها فإِنَّ الوجْهَ يُغْسَلُ كُلُّه لا يُغْسَلُ الرَّأْسُ، ولا غرةَ في الرَّأسِ، والحجلةُ لا يستحبّ إطالتها وإطالتها مثلة.

ثُمَّ ضربَ رحمه الله مثلاً آخرَ لهذِهِ القاعِدَةِ فقَالَ:


الشرح

([1])أخرجه: البيهقي في «معرفة السنن والآثار» رقم (719).

([2])أخرجه: البخاري رقم (136)، ومسلم رقم (246).