وَأَمَّا الْغَلَطُ فَلاَ
يَسْلَمُ مِنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، بَلْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ قَدْ يَغْلَطُ
أَحْيَانًا وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ. وَلِهَذَا كَانَ فِيمَا صُنِّفَ فِي الصَّحِيحِ
أَحَادِيثُ يُعْلَمُ أَنَّهَا غَلَطٌ، وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ مُتُونِ
الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ.
فَالْحَافِظُ
أَبُو الْعَلاَءِ يَعْلَمُ أَنَّهَا غَلَطٌ، وَالإِْمَامُ أَحْمَدُ نَفْسُهُ قَدْ
بَيَّنَ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ رَوَاهَا لِتُعْرَفَ، بِخِلاَفِ مَا تَعَمَّدَ
صَاحِبُهُ الْكَذِبَ.
وَلِهَذَا نَزَّهَ
أَحْمَدُ مُسْنَدَهُ عَنْ أَحَادِيثِ جَمَاعَةٍ يَرْوِي عَنْهُمْ أَهْلُ السُّنَنِ
كَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِثْلِ: مَشْيَخَةِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَبُو
دَاوُد يَرْوِي فِي سُنَنِهِ مِنْهَا، فَشَرْطُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ أَجْوَدُ
مِنْ شَرْطِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ.
وَالْمَقْصُودُ
أَنَّ هَذِهِ الأَْحَادِيثَ الَّتِي تُرْوَى فِي ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ أَمْثَالِهَا
مِنَ الأَْحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ الْمُنْكَرَةِ، بَلِ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي
يَرْوِيهَا مَنْ يَجْمَعُ فِي الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ،
كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا يُصَنِّفُ فِي فَضَائِلِ الأَْوْقَاتِ
وَفَضَائِلِ الْعِبَادَاتِ وَفَضَائِلِ الأَْنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَفَضَائِلِ
الْبِقَاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
****
الشرح
قوله: «وَأَمَّا الْغَلَطُ فَلاَ يَسْلَمُ مِنْهُ
أَكْثَرُ النَّاسِ». قصد الشيخ الغلط غير المتعمد، فهذا قد يحصل للصحابة ويحصل
للتابعين، وليس أحد معصومًا إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنهم لا يتعمدون
الخطأ والغلط، وإلا الإنسان معرَّض للغلط والخطأ، وقد يروي حديثًا موضوعًا ويظن
أنه صحيح، دون أن يتعمد ذلك.
قوله: «بَلْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ قَدْ يَغْلَطُ
أَحْيَانًا وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ»، وفيمن بعدهم من باب أولى يقع الغلط والخطأ؛
إنَّما لا يقع في القرون المفضلة الكذب.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد