×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: «وَشَفِّعْنِي فِيهِ»، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَشْفَعُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ كُنَّا مَأْمُورِينَ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ لَهُ الْوَسِيلَةَ؛ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ([1]).

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» ([2]).

وَسُؤَالُ الأُْمَّةِ لَهُ الْوَسِيلَةَ هُوَ دُعَاءٌ لَهُ، وَهُوَ مَعْنَى الشَّفَاعَةِ، وَلِهَذَا كَانَ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ، وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لَهُ الْوَسِيلَةَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِشَفَاعَتِهِ شَفَعَ لَهُ صلى الله عليه وسلم.

كَذَلِكَ الأَْعْمَى سَأَلَ مِنْهُ الشَّفَاعَةَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِقَبُولِ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ، وَهُوَ كَالشَّفَاعَةِ فِي الشَّفَاعَةِ؛ فَلِهَذَا قَالَ: «اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ» ([3]) وَذَلِكَ أَنَّ قَبُولَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مِثْلِ هَذَا هُوَ مِنْ كَرَامَةِ الرَّسُولِ عَلَى رَبِّهِ، وَلِهَذَا عُدَّ هَذَا مِنْ آيَاتِهِ وَدَلاَئِلِ نُبُوَّتِهِ؛ فَهُوَ


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (614).

([2])  أخرجه: مسلم رقم (384).

([3])  أخرجه: الترمذي رقم (3578)، والنسائي في الكبرى رقم (10420)، وابن ماجه رقم (1385)، وأحمد رقم (17240).