×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 وَمِثْلُ هَذَا لاَ تَثْبُتُ بِهِ شَرِيعَةٌ كَسَائِرِ مَا يُنْقَلُ عَنْ آحَادِ الصَّحَابَةِ فِي جِنْسِ الْعِبَادَاتِ، أَوِ الإِْبَاحَاتِ، أَوِ الإِْيجَابَاتِ، أَوِ التَّحْرِيمَاتِ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ - وَكَانَ مَا يَثْبُتُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُخَالِفُهُ لاَ يُوَافِقُهُ - لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ سُنَّةً يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعُهَا، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ وَمِمَّا تَنَازَعَتْ فِيهِ الأُْمَّةُ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ: مِثْلَ مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُدْخِلُ الْمَاءَ فِي عَيْنَيْهِ فِي الْوُضُوءِ ([1])، وَيَأْخُذُ لأُِذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى الْعَضُدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَيَقُولُ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ ([2])، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عُنُقَهُ وَيَقُولُ: هُوَ مَوْضِعُ الْغُلِّ.

فَإِنَّ هَذَا وَإِنِ اسْتَحَبَّهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ اتِّبَاعًا لَهُمَا فَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ وَقَالُوا: سَائِرُ الصَّحَابَةِ لَمْ يَكُونُوا يَتَوَضَّئُونَ هَكَذَا. وَالْوُضُوءُ الثَّابِتُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِلأُْذُنَيْنِ، وَلاَ غَسْلُ مَا زَادَ عَلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ، وَلاَ مَسْحُ الْعُنُقِ، وَلاَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ.

بَلْ هَذَا مِنْ كَلاَمِ أَبِي هُرَيْرَةَ جَاءَ مُدْرَجًا فِي بَعْضِ الأَْحَادِيثِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّكُمْ تَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ»، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ حَتَّى يَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ وَالسَّاقِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ، وَظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَسْلَ الْعَضُدِ مِنْ إطَالَةِ الْغُرَّةِ، وَهَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ، فَإِنَّ الْغُرَّةَ فِي الْوَجْهِ لاَ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَإِنَّمَا فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ الْحَجْلَةُ. وَالْغُرَّةُ لاَ يُمْكِنُ إطَالَتُهَا فَإِنَّ الْوَجْهَ يُغْسَلُ


الشرح

([1])  أخرجه: عبد الرزاق في مصنفه رقم (1027)، وابن أبي شيبة في مصنفه رقم (1069).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (136)، ومسلم رقم (246).