×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

قوله: «وَهَكَذَا فِي الإِْبَاحَاتِ» أي: هكذا الاجتهاد في الاستباحات، فبعض الصحابة رضي الله عنهم اجتهد في استباحة أشياء، مثل: فعل أبي طلحة الأنصاري من أنه كان أكل البرد وهو صائم، ولا يرى أنه ماء، فهذا اجتهاد منه.

قوله: «وَاسْتَبَاحَ حُذَيْفَةُ السَّحُورَ بَعْدَ ظُهُورِ الضَّوْءِ الْمُنْتَشِرِ حَتَّى قِيلَ هُوَ النَّهَارُ، إلاَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ». هناك من يؤخر السحور من الصحابة رضي الله عنهم إلى قبيل طلوع الشمس، وهذا اجتهاد منه لا يوافق عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتسحر، ويخرج لصلاة الفجر، وسئل الراوي: كم بين سحوره وإقامته؟ قال: «قدر خمسين آية» ([1]). فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتسحر قبل طلوع الفجر؛ عملاً بقول الله تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ [البقرة: 187]، فإن جاء أحدٌ ومدد السحور إلى قبل طلوع الشمس من الصحابة رضي الله عنهم، فهذا اجتهاد منه لا يوافق الدليل، وهذه نوادر تقع.

هذا كله تقرير على أن ما فعله عثمان بن حنيف رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لو ثبت عنه، فهو اجتهاد منه كهذه الاجتهادات التي لا توافق الدليل.

قوله: «وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ، فَوَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ» لقول الله تعالى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ. هذا خطاب لجميع الأمة من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم، ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ [النساء: 59]، والرد إلى الله تعالى هو الرد إلى الكتاب، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إلى السُّنة بعد وفاته.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (579)، ومسلم رقم (1097).