فَلَوْ كَانَ تَوَسُّلُهُمْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ
مَمَاتِهِ كَتَوَسُّلِهِمْ بِهِ فِي حَيَاتِهِ، لَقَالُوا: كَيْفَ نَتَوَسَّلُ
بِمِثْلِ الْعَبَّاسِ وَيَزِيدَ بْنِ الأَْسْوَدِ وَنَحْوِهِمَا؟ وَنَعْدِلُ عَنِ
التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ
الْخَلاَئِقِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْوَسَائِلِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ؟!
فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ فِي
حَيَاتِهِ إنَّمَا تَوَسَّلُوا بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِهِ
تَوَسَّلُوا بِدُعَاءِ غَيْرِهِ وَشَفَاعَةِ غَيْرِهِ؛ عُلِمَ أَنَّ الْمَشْرُوعَ
عِنْدَهُمُ التَّوَسُّلُ بِدُعَاءِ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ لاَ بِذَاتِهِ.
وَحَدِيثُ
الأَْعْمَى حُجَّةٌ لِعُمَرِ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ الأَْعْمَى أَنْ يَتَوَسَّلَ
إلَى اللَّهِ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدُعَائِهِ لاَ
بِذَاتِهِ، وقال لَهُ فِي الدُّعَاءِ: «قُلْ: اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ».
وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَتَوَسَّلَ
بِذَاتِهِ لاَ بِشَفَاعَتِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ، بَلْ
بِبَعْضِهِ وَتَرَكَ سَائِرَهُ الْمُتَضَمِّنَ لِلتَّوَسُّلِ بِشَفَاعَتِهِ، كَانَ
مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ الْمُوَافِقَ لِسُنَّةِ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ الْمُخَالِفُ لِعُمَرَ مَحْجُوجًا بِسُنَّةِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُجَّةً عَلَيْهِ لاَ لَهُ، وَاللَّهُ تعالى
أَعْلَمُ.
****
الشرح
كان الصحابة - رضوان
الله عليهم - لا يتوسلون بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو حقه أو جاهه قبل موته؛
وإنما كان قصدهم التوسل بدعائه، والدعاء ينقطع بالموت، ولذلك عدلوا إلى غيره،
وطلبوا منه الدعاء، فدل على أن المراد بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم هو
التوسل بدعائه، لا التوسل بذاته أو جاهه أو حقه.
قوله: «وَحَدِيثُ الأَْعْمَى حُجَّةٌ لِعُمَرِ
وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ»، حديث
الأعمى الذي جاء للرسول صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتوضأ ويصلي، ويدعو الله أن
يُشفع فيه نبيه صلى الله عليه وسلم في رد بصره عليه. وهذا جائز،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد