×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 لأن المشي إلى الصلاة عبادة وطاعة، فهو توسل إلى الله بممشاه إلى المسجد، والتوسل بالأعمال الصالحة ثابت بالكتاب والسنة؛ كما في حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت في غار، فانطبقتْ عليهم صخرةٌ، وسدتْ باب الغار، فصاروا لا يستطيعون الخروج منه، فقالوا: إنه لا ينجيكم إلا أن تتوسلوا إلى الله بصالح أعمالكم التي سبقت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّة» ([1])، مَن كانت له أعمال صالحة فإنَّ الله ينجيه من الشدة إذا وقع فيها، ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [يونس: 103] فمَن تعرف إلى الله بالطاعة في سابق عهده، وفي حال الرخاء، فإنه إذا وقع في شدةٍ فإن الله يفرجها عنه، فهم توسلوا إلى الله بذلك:

فالأول: كان يرعى الغنم، وله والدان كبيران، وأولاد صغار، وفي ليلةٍ من الليالي تأخر، وكان من عاداته أنه إذا جاء يحلب الغنم، ويبدأ بوالديه فيسقيهما، ثم يسقي الأولاد، وفي ليلةٍ طلب مرعى بعيدًا للغنم، فلم يحضر إلا متأخرًا، فلما حضر وجاء بالحليب وجد الوالدين قد نامَا، فلم يجرؤ على إيقاظهما من شدة البر والرفق بهما، فظل واقفًا والإناء بيده، والأطفال يتضاغون عند قدميه حتى استيقظا وسقاهما، ثم سقى الأولادَ، وهذا من عظيم بره بوالديه ورفقه بهما، سأل الله بذلك.

الثاني: كانت له ابنة عمٍّ جميلة، وكان يراودها، وفي يومٍ من الأيام احتاجتْ حاجة شديدة، فطلبتْ منه المساعدة أن يقرضها الدنانير، فأَبَى إلا أن تمكنه من نفسها، فخضعت لطلبه بسبب الضرورة التي مستها،


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (2516)، وأحمد رقم (3803)، والحاكم رقم (6303)، والطبراني في الكبير رقم (11243).