وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ
الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقْسِمُونَ بِهِ أَوْ يَسْأَلُونَ بِهِ،
فَهُوَ نَقْلٌ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلنُّقُولِ الْكَثِيرَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ
الْمُخَالَفَةِ لَهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ فِي دَلاَئِلِ
النُّبُوَّةِ وَفِي كِتَابِ الاِسْتِغَاثَةِ الْكَبِيرِ، وَكُتُبُ السِّيَرِ
وَدَلاَئِلُ النُّبُوَّةِ وَالتَّفْسِيرُ مَشْحُونَةٌ بِذَلِكَ.
قَالَ أَبُو
الْعَالِيَةِ وَغَيْرُهُ: كَانَ الْيَهُودُ إذَا اسْتَنْصَرُوا بِمُحَمَّدٍ صلى
الله عليه وسلم عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ابْعَثْ هَذَا
النَّبِيَّ الَّذِي نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عِنْدَنَا حَتَّى نَغْلِبَ الْمُشْرِكِينَ
وَنَقْتُلَهُمْ. فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا وَرَأَوْا أَنَّهُ مِنْ
غَيْرِهِمْ كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا لِلْعَرَبِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى هَذِهِ الآْيَاتِ: ﴿فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا
عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 89].
وروى محمدُ بنُ
إسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قتادة الأَْنْصَارِيِّ، عَنْ رِجَالٍ
مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا: مِمَّا دَعَانَا إلَى الإِْسْلاَمِ - مَعَ رَحْمَةِ
اللَّهِ وَهُدَاهُ - مَا كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ رِجَالٍ يَهُودٍ، وَكُنَّا أَهْلَ
شِرْكٍ وَأَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ
عِنْدَنَا، وَكَانَتْ لاَ تَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ؛ فَإِذَا
نِلْنَا مِنْهُمْ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ قَالُوا لَنَا: قَدْ تَقَارَبَ زَمَانُ
نَبِيٍّ يُبْعَثُ الآْنَ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ - كَثِيرًا
مَا كُنَّا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ - فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا
رَسُولاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَجَبْنَاهُ حِينَ دَعَانَا إلَى اللَّهِ
وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَعَّدُونَا بِهِ، فَبَادَرْنَاهُمْ إلَيْهِ،
فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرُوا بِهِ، فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَ هَؤُلاَءِ الآْيَاتُ
الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: ﴿وَلَمَّا
جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن
قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا
عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 89].
وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ جَمَعَ كَلاَمَ
مُفَسِّرِي السَّلَفِ إلاَّ هَذَا.
****
الشرح
قوله: «وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ»، هذا معنى آخر للآية،