×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى اللَّهِ، وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْك! فَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: «وَيْحَك أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ إنَّ اللَّهَ لاَ يُسْتَشْفَعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ» ([1]).

وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى الاِسْتِشْفَاعِ بِالشَّخْصِ -فِي كَلاَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ- هُوَ اسْتِشْفَاعٌ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ لَيْسَ هُوَ السُّؤَالُ بِذَاتِهِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا السُّؤَالُ بِذَاتِهِ لَكَانَ سُؤَالُ الْخَلْقِ بِاللَّهِ تعالى أَوْلَى مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ بِالْخَلْقِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ هُوَ الأَْوَّلُ أَنْكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: نَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْك وَلَمْ يُنْكِرْ قَوْلَهُ نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ؛ لأَِنَّ الشَّفِيعَ يَسْأَلُ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَةَ الطَّالِبِ؛ وَاللَّهُ تعالى لاَ يَسْأَلُ أَحَدًا مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ خَلْقِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ ذَكَرَ اسْتِشْفَاعَهُ بِاللَّهِ تعالى فِي مِثْلِ قَوْلِهِ:

 

شَفِيعِي إلَيْك اللَّهُ لاَ رَبَّ غَيْرَهُ
 

وَلَيْسَ إلَى رَدِّ الشَّفِيعِ سَبِيلُ
  

****

الشرح

هذا الرجل أساء الأدب في حق الله سبحانه وتعالى؛ حيث قال: «وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْك»، فجعل الله شفيعًا عند المخلوق، وهذا تنقص لله؛ لأن الشفيع أقل درجة من المشفوع عنده، فكأنه جعل الله أقل درجة من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلهذا تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم عند هذه الكلمة، ونزَّه الله عنها، فما زال يسبح - أي: ينزه الله سبحانه وتعالى - حتى عرف الصحابة رضي الله عنهم أن الرجل قد أساء، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تأثر وتغيرت وجوههم؛ لأنهم لا يريدون الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتكدر من شيء من محبتهم له وتعظيمهم له.


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (4726)، والطبراني في الكبير رقم (1547).