فلما مات هذا الجيل، ومات العلماء، جاء الشيطان لمن بعدهم، فدعاهم لعبادة
هذه الصور، وقال: إن آباءكم ما نصبوها إلا ليستغيثوا بها، وبها كانوا يسقون المطر،
فصادف هذا جيلاً جهالاً ليس فيهم علماء ينهونهم، فعبدوا هذه الصور، وعند ذلك حدث
الشرك في الأرض، فبعث الله نبيه ورسوله نوحًا صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى عبادة
الله وحده، وترك عبادة هذه الأصنام، ولكنهم عاندوا وكابروا، قال تعالى: ﴿وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا كُبَّارٗا
٢٢وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا
يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا ٢٣﴾ [نوح: 22، 23] هذه أسماء الصالحين، فأبوا أن يقبلوا
دعوة التوحيد، فأصروا على عبادة هذه الصور، ثم لما طال الوقت بينهم وبين نوح عليه
الصلاة والسلام، وقد دعاهم بكل وسيلة كما ذكر الله تعالى في سورة نوح، تلطف معهم،
ودعاهم سرًّا، ودعاهم جهارًا، وبقي هو وإيَّاهم ألف سنة إلا خمسين عامًا وهو
يدعوهم إلى التوحيد، فلما أوحى الله إليه: ﴿أَنَّهُۥ
لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ﴾ [هود: 36] عند ذلك
دعا عليهم بالهلاك، فقال: ﴿وَقَالَ
نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا ٢٦إِنَّكَ
إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا ٢٧﴾ [نوح: 26، 27]
فأمره الله بصناعة السفينة، ولما تكامل عمل السفينة أمره الله أن يركب فيها هو
وأهله إلا من استثنى الله منهم، ومن آمن معه، وما آمن معه إلا قليل، فلما ركبوا في
السفينة فجر الله الأرض عيونًا، وأرسل السماء ماء مدرارًا، فالتقى ماء السماء وماء
الأرض وعلا على رءوس الجبال حتى أهلكهم الله عن آخرهم، ونجى نوحًا عليه السلام ومن
معه في السفينة، فهذا الذي سببه الغلو في الصالحين واتخاذ صورهم.
قوله: «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ
وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الإِْسْلاَمِ» أي: ألف سنة على
الإسلام.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد