×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَأَبْرَزَ قَبْرَهُ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا ([1]).

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُنْدُبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ: «إنِّي أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، وَلَوْ كُنْت مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لاَِتَّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» ([2]).

****

الشرح

النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته من كمال نصحه لأمته ما شغله المرض وسكرات الموت عن نصحه لأمته؛ بل حذَّرهم أن يتخذوا قبره كقبور الأنبياء من قبله مصليات أو مزارًا، كما عند الأمم السابقة، وحذر من هذا وهو في مرض الموت، حتى أنه كان في سكرات الموت، وكان يطرح خميصة على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، ثم قال وهو كذلك: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِد، أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ». قالت عائشة رضي الله عنها -فقيهة النساء أم المؤمنين-: «وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَأَبْرَزَ قَبْرَهُ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا»، فذكرت رضي الله عنها الحكمة في كونه دُفن في بيته ولم يدفن في البقيع مع أصحابه رضي الله عنهم، وهي المحافظة عليه من الغلو، وصيانة التوحيد، فهذا واضح جدًّا، إذا كان هذا مع قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيره من القبور؟!

قوله: «وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ جُنْدُبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ»، قيل: خمس سنين، وقيل: خمس ليال.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1330)، ومسلم رقم (529).

([2])  أخرجه: مسلم رقم (532).