×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 وَلِهَذَا رَوَى الطَّبَرَانِي فِي مُعْجَمِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُنَافِقٌ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الصِّدِّيقُ: قُومُوا بِنَا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ فَجَاءُوا إلَيْهِ فَقَالَ: «إنَّهُ لاَ يُسْتَغَاثُ بِي، وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ» ([1]). وَهَذَا فِي الاِسْتِعَانَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. فَأَمَّا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ [الأنفال: 9].

****

الشرح

قوله: «كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُنَافِقٌ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ...». النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الألفاظ التي فيها وسيلة إلى الشرك أن تقال، كأن يقال: لولا الله وأنت، بالواو، وكما جاء الصحابة رضي الله عنهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يستغيثون به، هذه اللفظة إنما تكون لله عز وجل، فكره لهم هذا، وقال: «إنَّهُ لاَ يُسْتَغَاثُ بِي؛ وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ»، وإن كان جائزًا الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائزة، كما ذكر الله في قصة موسى عليه السلام: ﴿فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ [القصص: 15] فهي جائزة فيما يقدر عليه، لكن ترك هذا اللفظ أحسن وأبعد عن الشرك؛ لأنهم إذا أقروا على هذا تدرجوا إلى الشرك، فاستغاثوا بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يحمي التوحيد بترك الألفاظ التي قد تجر إلى الشرك، فهذا من حماية التوحيد، كما أنهم لما مدحوه صلى الله عليه وسلم قالوا: أنت سيدنا، وابن سيدنا، وأنت خيرنا وابن خيرنا،


الشرح

([1])  لم أقف عليه بهذا اللفظ مسندًا، وأخرجه: أحمد رقم (22706) بنحوه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: قوموا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقام لي؛ إنما يقام لله سبحانه وتعالى ».