×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

قوله: «لَكِنْ لَيْسَ مِنَ الْمَشْرُوعِ أَنْ يُطْلَبَ مِنَ الأَْمْوَاتِ لاَ دُعَاءٌ وَلاَ غَيْرُهُ». الحي في الدنيا تطلب منه ما يقدر عليه، ليس في ذلك بأس؛ أمَّا الميت فلا تطلب منه شيء حتى ولو ترد عليه روحه ردًّا خاصًّا، فهذا أمر من أمور الغيب لا يقاس على ما في الدنيا، وقد كان ابن عمر رضي الله عنه - وهو أعظم اتباعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا جاء من سفرٍ سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر رضي الله عنه، وعلى أبيه عُمر رضي الله عنه، ولا يزيد على السلام، كان يقول: «السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَتِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ»، ولا يقف يدعو عند القبور، وإنما يسلِّم فقط وينصرف، هذا هو المشروع، وهذا الخطاب ليس خطاب دعاء، وإنما هو خطاب استحضار في الذهن، كما أنك تقول في التشهد الأخير: السلامُ عليكَ يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

قوله: «وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو لأَِبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ». يصلي على النبي مع السلام عليه، وسبق أنه لا يُشرع الذهاب إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل الصلاة عليه، قال صلى الله عليه وسلم: «وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُ كُنْتُمْ؛ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي» ([1]). ولكن ابن عمر رضي الله عنه لما سَلَّم عليه صَلَّى عليه. لا؛ لأن الصلاة خاصة عند القبور، وإنما لعموم الصلاة عليه.

قوله: «كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا أَرَادُوا الدُّعَاءَ اسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ يَدْعُونَ اللَّهَ تعالى؛ لاَ يَدْعُونَ مُسْتَقْبِلِي الْحُجْرَةِ». فهم يُسَلِّمُون على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ثم ينصرفون، وإذا أراد أحدٌ منهم أن يدعو،


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (2042)، وأحمد رقم (8804).