×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الثالث

وهؤلاء الذين يعطِّلون الأسباب النافعة، ويحتجُّون بالقدر يتناقضون مع أنفسهم، فإنه لو قيل لأحدهم: اترك الأكل والشرب لأن الله إن كان كتب لك أن تعيش فستعيش بلا أكلٍ ولا شرب، واترك الزواج لأن الله إن كان كتب لك ذريةً فتحصل لك بلا زواجٍ، فإنه سيستنكر هذا القول ويعتبره ضربًا من الهذيان، فكيف إذًا يترك الطاعة ويقول إن كان الله قدر لي السعادة فسأحصل عليها بدون طاعةٍ، إن الواجب على المسلم أن يباشر الأسباب النافعة ويترك الأسباب الضارة. كما أنه يأكل ويشرب ويتداوى ليعيش ويسلم من الأمراض، وكما أنه يتجنب المخاطر ليسلم من الهلاك ويعترف بأن هذه المقاصد لا تحصل إلا بتعاطي أسبابها، فكذلك يجب عليه أن يتعاطى أسباب السعادة ليحصل عليها، ويتجنب أسباب الشقاوة ليسلم منها.

عباد الله: اعلموا أن من أعظم ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر صحةً إيمان الشخص وتكامله؛ لأنه بذلك يكون قد آمن بكل ما يجب الإيمان به استكمل أركان الإيمان، ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر طمأنينة القلب وارتياحه وعدم القلق في هذه الحياة خصوصًا عندما يتعرض الإنسان لمشاق الحياة. لأن العبد إذا علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه فإن عند ذلك تسكن نفسه ويطمئن باله. بخلاف من لا يؤمن بالقدر فإنه عندما تصيبه مصيبةٌ أو يفوته شيءٌ مما يحب، فإنه يجزع ويسخط، ويقلق، ويضيق من حياته ويحاول الخلاص منها، وربما ينتحر ويقتل نفسه. وقد كثرت في هذا الزمان حوادث الانتحار من الرجال والنساء الذين لا يؤمنون بالقضاء والقدر، فيفرون من واقعهم ويتشاءمون بمستقبلهم ويأخذهم اليأس، وقد أخبر


الشرح