×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الثالث

 الناس بمصالح أنفسهم، ومن أجهل الناس بربهم وخالقهم، ومن أجهل الناس بمصيرهم وآخرتهم، إنما هم مجرد صنَّاع مسخَّرين، قد يصنعون ما فيه هلاكهم وهلاك الحرث والنسل. فكيف يُمنَحون هذا اللقب الشريف الذي أثنى الله على أهله وفضلهم على غيرهم؟ إنما العلماء الذين يستحقون هذا اللقب هم ورثة الأنبياء الذين أدركوا أسرار هذه الكائنات والمخلوقات فاستدلوا بها على عظمة خالقها فعظَّموه وعبدوه حق عبادته وتركوا عبادة ما سواه ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ [آل عمران: 191] واستعانوا بهذه الكائنات والمخترعات على طاعة الله وعلى تحصيل مصالحهم العاجلة والآجلة. وعلموا أنها لم تُخلَق عبثًا، ولم يكن المقصود منها عمارة الدنيا والوصول بها إلى شهوات النفوس الفانية، وإنما خلِقَت لتدل على عظمة الخالق، وليستفاد منها فيما يصلح الدنيا والآخرة، هؤلاء هم العلماء حقيقةً لا المجرمون الذين يصنعون الدمار وينظرون إلى الكائنات على أنها مجرد متعة عاجلة ولا تدل على شيء، فهذا نظر الجاهلين وإن سماهم الناس علماء؛ فإن الله قد وصفهم بالجهل وعدم العلم، قال تعالى ﴿وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٦ يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ ٧ أَوَ لَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ ٨ [الروم: 6-8]، فنفى سبحانه عن هؤلاء العلم مع أنهم يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا. لأن هذا لا يعتبر علمًا حقيقيًّا ما دام أنهم يجهلون الآخرة ويغفلون عنها ولا يعملون لها، وهذا هو الجهل الحقيقي فكيف نسميهم علماء وهم


الشرح