×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الرابع

فالمسلم الذي وفقه الله للعمل في هذا الشهر ومرَّت عليه مواسم الرَّحمة والمغفرة والعتق من النار، وقام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا حرِىٌ أن يفوز بكلِّ خيرات هذا الشهر ونفحاته فينال الدَّرجات العالية، بما أسلفه في الأيَّام الخالية، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخُصُّ العشر الأواخر من رمضان بأعمال يعملها فيها: منها إحياء لياليها بالتَّهجُّد والقيام، ومنها أنهُ كان يوقظ أهله للصلاة وكل صغير وكبيرٍ يُطيقُ الصلاة، وهذا شيءٌ أهملهُ اليوم كثيرٌ من الناس مع أهلهم وأولادهم فيتركونهم يسهرون على اللَّعب واللَّهو يسرحون في الشَّوارع أو يجلسون في البيوت يشاهدون الأفلام والمسلسلات، ويستمعون الأغاني والمزامير طيلة ليالي رمضان، فلا يستفيدون منه إلاَّ الآثام، وإذا جاء النهار ناموا حتَّى عن أداء فرائض الصَّلوات، لأنهم تربُّوا على عدم احترام رمضان، وهذا نتيجة إهمال أوليائهمْ، فبئست التَّربيَّة وبئست الولايّة، وسيسألهم الله يوم القيامة عن إهمال رعيتهم، وإضاعة مسئوليتهم، قال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ([1]).

ومن الأعمال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخُصُّ بها العشر الأواخر: الاعتكاف، وهو لزوم المسجد للعبادة وعدم الخروج منه إلاَّ لحاجة ضروريَّة، ثم يرجع إليه.

وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في هذه العشر قطعًا لأشغاله، وتفريغًا لباله، وتخليًا لمُناجاة ربه وذكره ودعائه، فاجتهدوا -رحمكم الله- في هذه العشر التي هي ختام الشهر، والتي هي أرجى ما يكون لموافقة ليلة


الشرح

([1])  أخرجه: ابن خزيمة رقم (1887)، والبيهقي في « الشعب » رقم (3608).