×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الرابع

فدلَّ هذا الحديثُ على أنْ العملَ في هذه الأيَّام العشرِ أحبُّ إلى الله من العمل في أيَّام الدنيا من غير استثناء، وأنه أفضل من الجهاد في سبيل الله إلا جهادًا واحدًا، وهو جهادُ من خرج بنفسهِ وماله، فلم يرجعُ بشيءٍ فهذا الجهادُ بخُصوصِهِ يفضِلُ على العمل في هذه العشر، وأمَّا بقيَّةُ أنواع الجهادُ، فإنَّ العمل في هذه العشر أفضلُ وأحبُّ إلى اللهِ منها.

وقد شرع الله لعباده صيام هذه الأيَّام، ما عدا اليوم العاشر، وهو يومُ النحرِ، وممَّا يُشرعُ في هذه الأيَّام الإكثار من ذِكر الله ولا سيَّما التكبيرُ، قال الله تعالى: ﴿وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ [الحج: 28].

وهي أيَّام العشر عند جمهور العُلماء، وأمَّا الأيام المعدوداتُ فهي أيَّامُ التشريق، فيُستحبُ الإكثار من ذكر الله في هذه العشر المباركةِ من التهليلِ والتكبيرِ والتَّحميد، وأن يجهر بذلك في الأسواق، فقد ذكر البخاري في «صحيحه» عن ابن عمر وأبي هُريرةَ رضي الله عنهما أنهما كانا يخرجان إلى السوقِ، فيُكبران فيُكبرُ الناسُ بتكبيرهما، وهذا من رحمة الله بعبادهِ ([1]).

فإنَّهُ لمَّا كان ليس كلُ واحدٍ يقدرُ على الحج جُعل موسم العشرِ مُشتركًا بينَّ الحُجَّاج وغيرهم، فمن لم يقدر على الحج فإنَّهُ يقدِرُ على أن يعمل في العشر عملاً يفضُلُ على الجهاد، وفي هذه العشر المباركة يوم عرفة الذي هو أفضلُ الأيام، وروى ابنّ حبَّانَ في «صحيحه» من


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (2438)، والترمذي رقم (757)، وابن ماجه رقم (1727).