×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء السابع

فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40] فتمت الهجرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واستقرَّوا عند إخوانهم الأنصار في المدينة وواسوهم بأموالهم وبيوتهم وحموهم وجاهدوا معهم وأرضاهم، والهجرة باقيةٌ إلى أن تقوم الساعة كما قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» ([1])، فكل من يخاف على دينه في بلاد الكفار ولا يتمكن من إظهار دينه فإنه يجب عليه أن يهاجر إلى بلاد المسلمين أو إلى بلادٍ يتمكن فيها من إظهار دينه، وقد توعد الله الذين تركوا الهجرة خوفًا على أموالهم أو رغبةً في بيوتهم وأوطانهم قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ٩٧ إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ حِيلَةٗ وَلَا يَهۡتَدُونَ سَبِيلٗا ٩٨ فَأُوْلَٰٓئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورٗا ٩٩} [النساء: 97 - 99] فالمسلم أعزُّ شيءٍ لَدَيه دينه يحافظ عليه فإذا تعرض دينه للنقص أو بالخوف عليه فإنه يهاجر به إلى مكانٍ يأمن به على دينه ويترك أولاده وأمواله وبيته وبلده لله سبحانه وتعالى ﴿وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا [النساء: 100] فالهجرة باقيةٌ ومستمرةٌ وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ»، فالمراد لا هجرة من مكة إلى المدينة لأن مكة المشرَّفة لما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصارت تحت ولاية المسلمين حينئذٍ انتهت


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (2479)، والدارمي رقم (2513)، وأحمد رقم (16906).