· اشتغاله في التدريس:
كَانَ والدُهُ
من كِبَارِ أَئمَّة الحَنابلَة، فَلمَّا مَاتَ خَلَّفه في وظائفِهِ، وكَانَ
عُمُرُه تسعَ عَشرةَ سنةً، فَاشْتهرَ أمرُهُ، وبَعُدَ صيتُهُ في العالم، وأَخَذَ
في تَفْسير القُرْآن الكَريم أيَّام الجُمَع من حِفْظِهِ.
قَالَ عَنْه
الحَافظُ أبو حَفْصٍ عُمرُ بْن عَليٍّ البزَّار وكَانَ من مُعَاصريه: «لقَدْ كَانَ
إذا قُرِئَ في مَجْلسِهِ آياتٌ من القُرْآن العَظيم، شَرَع في تَفْسيرها فيَنْقَضي
المَجْلسُ بجُمْلتِهِ، وَالدَّرسُ برُمَّته وهو في تَفْسير بَعْضِ آيةٍ مِنْهَا،
وقَدْ مَنحَه اللهُ تَعَالَى مَعْرفةَ اخْتلاَف العُلَماء ونُصُوصهم، وكَثْرة
أقْوَالهم واجْتهَادهم فِي المَسَائل وما رُوِيَ عن كُلِّ واحدٍ مِنْهُمْ من راجحٍ
ومَرْجوحٍ ومَقْبولٍ ومَرْدودٍ، حَتَّى كَانَ إِذَا سُئِلَ عن شيءٍ من ذَلِكَ
كأنَّ جميعَ المَنْقول عن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ والعُلَماء فيه
من الأَوَّلين والآخِرِين مُتصوَّرٌ مسطورٌ بإزائِهِ.
وهَذَا قَد
اتَّفق عَلَيْه كُلُّ مَنْ رآه أو وَقَفَ عَلَى شيءٍ من عِلْمِهِ ممَّن لَمْ
يُغلِّظ عقلَه الجهلُ والهَوَى...». انتهى.
وقَالَ أيضًا: «وأَمَّا
ذِكْرُ دُرُوسه، فقَدْ كنتُ فِي حال إقَامَتي بدمشق لا أَفُوتُها، وكَانَ لا
يُهيِّئ شيئًا من العِلْمِ ليُلْقيه ويُوردَه، بَلْ يجلس بعد أَنْ يُصلِّي
رَكْعَتين فيَحْمَد الله ويُثْني عَلَيْه، ويُصلِّي عَلَى رسولِهِ صلى الله عليه
وسلم عَلَى صِفَةٍ مُسْتحسنَةٍ مُسْتَعذبةٍ لَمْ أَسْمَعها من غَيْره، ثمَّ يَشْرَع
فيَفْتح اللهُ عَلَيْه إيرَاد عُلُومٍ وغَوَامضَ وَلَطائفَ وَدَقائقَ وفُنُونٍ
ونُقُولٍ واسْتدلاَلاتٍ بآيَاتٍ وَأَحَاديثَ وأَقْوَال العُلَمَاء، ونَقْد
بَعْضها، وتَبْيين صحَّته أو تَزْييف بَعْضها وبإيضاح حُجَّته، وَاسْتشهَاد
بأَشْعَار العَرَب، ورُبَّما ذَكَر نَاظمَها، وهُوَ مع ذَلِكَ يَجْري كَمَا يجري
السَّيْلُ، ويُفِيضُ كما يُفِيضُ البحر، وَيَصير منذ
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد