×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 يَتَكلَّم إِلَى أن يَفْرغَ كالغَائِبِ عن الحَاضِرِين مُغْمضًا عَيْنيه من غير تَعَجْرفٍ ولا تَوقُّفٍ ولا لحنٍ، بَلْ فيضٌ إلهيٌّ حَتَّى يبهرَ كُلَّ سامعٍ وناظرٍ فلا يَزَال كذَلِكَ إِلَى أن يَصْمتَ، وكُنْتُ أراه حينئذٍ كأَنَّه قد صَارَ بحَضْرة مَنْ يشغلُهُ عن غَيْره، ويقع عَلَيْه إذْ ذَاكَ من المَهَابة ما يُرْعد القُلُوب، ويُحيِّر الأبصارَ والعُقُولَ، وكَانَ لا يَذْكُرُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قطُّ إلاَّ ويُصلِّي عَلَيْه.

وَلاَ واللهِ، ما رَأيتُ أحدًا أَشدَّ تَعْظيمًا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ، وَلاَ أَحْرَص عَلَى اتِّباعه، ونَصْر ما جاءَ به منه حَتَّى إِذَا كَانَ أوردَ شيئًا من حَدِيثِهِ فِي مَسْألةٍ، وَيَرَى أَنَّه لَمْ يَنْسَخه شيءٌ غيره من حَدِيثِهِ يعمل به، ويَقْضي بمُقْتَضاه، ولا يَلْتَفت إِلَى قولِ غَيْرِهِ من المَخْلوقينَ كائنًا مَنْ كان، وقَالَ رضي الله عنه : «كلُّ قائلٍ إنَّما يُحْتجُّ لقولِهِ لا به إلاَّ رَسُول الله».

وكَانَ إِذَا فَرَغ من دَرْسه يفتح عَيْنَيه، ويُقْبل عَلَى النَّاس بوَجْهٍ طَلْقٍ بَشِيشٍ وخُلُقٍ دَمْثٍ كأَنَّه لَقيَهُم حينئذٍ، ورُبَّما اعتذرَ إِلَى بَعْضِهِم من التَّقصير فِي المَقَال مع ذَلِكَ الحَال، ولقَدْ كَانَ دَرْسه الَّذِي يُوردُهُ حِينَئذٍ قَدْرَ عدَّة كَرَاريسَ.

وهَذَا الَّذِي ذكرتُهُ من أحْوَال درسِهِ أمرٌ مشهورٌ يُوَافقني عَلَيْه كُلُّ حَاضِرِيه وهُمْ - بحَمْد الله - خَلْقٌ كثيرٌ، لَمْ يُحْصر عَددُهُم؛ عُلَماءُ ورؤساءُ وفُضَلاءُ من القُرَّاء والمُحدِّثين والفُقَهاء والأُدَبَاء وغَيْرهم من عَوامِّ المُسْلِمِين....». انتهى كَلاَمُ البزَّار فِي كِتَابِهِ «الأعلام العليَّة».

·        مؤلفات شَيْخ الإِسْلاَم ابن تيمية:

خَلَّف رحمه الله للمَكْتبَة الإِسْلاَميَّة ثَرْوةً ضَخْمةً من المُؤلَّفات القيِّمة الَّتِي تَحْمل التَّحقيقَ وَالتَّدقيقَ وَالتَّجديدَ لدين الله فِي مُخْتلف الفُنُون، والَّتِي ترد الزَّيف والدَّخيل والدَّجَل والتَّضْليل.


الشرح